ثم ندّمهم على سوء أعمالهم فقال :
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) أي ولو أنهم آمنوا بالله ورسوله واتقوا ما كانوا يتعاطونه من المآثم والمحارم لكفرنا عنهم سيئاتهم التي اقترفوها ومحونا عنهم ذنوبهم ولم نفضحهم بها ، ولأدخلناهم فى الآخرة جنات ينعمون بها.
وفى ذلك إعلام من الله بعظم معاصى اليهود والنصارى وكثرة سيئاتهم ، ودلالة على سعة رحمته ، وفتحه باب التوبة لكل عاص وإن عظمت معاصيه وبلغت مبلغ سيئات اليهود والنصارى ، وإخبار بأن الإيمان لا ينجّى إلا إذا شفع بالتقوى ، ومن ثم قال الحسن : هذا العمود فأين الأطناب؟
(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) أي ولو أقاموا ما فى التوراة والإنجيل المنزّلين بنور التوحيد ، المبشّرين بالنبي الذي يأتى من أبناء إسماعيل ، والذي قال فيه عيسى عليه السلام : إنه روح الحق الذي يعلمهم كل شى.
وأقاموا ما أنزل إليهم من ربهم على هذا النبي الكريم الذي بشرت به كتبهم ـ لوسع الله عليهم رزقهم ، ولأعطتهم السماء مطرها وبركتها ، والأرض نباتها وخيرها ، كما قال تعالى : «لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ».
وفى هذا تنبيه إلى أن ما أصابهم من الضنك والضيق إنما هو من شؤم جناياتهم ، لا من قصور فى فيض الله وعظيم عطائه ، وإشارة إلى أنهم لو أقاموهما ما عاندوا النبي ذلك العناد ، فالدين عندهم إنما كان أمانى يتمنّونها ، وبدعا وتقاليد يتوارثونها ، فهم بين غلوّ وتقصير وإفراط وتفريط.
ثم ذكر أنهم ليسوا سواسية فى أفعالهم وأقوالهم فقال :
(مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) أي منهم جماعة معتدلة فى أمر دينها لا تفرط ولا تهمل ، وهم الذين أسلموا كعبد الله بن سلام وأضرابه من اليهود ،