ويقولون : كذاب صابىء فعرض علىّ عارض فقال : اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون ، وانصرني عليهم أن يجيبونى إلى طاعتك ، فجاء العباس عمه فأنقذه منهم وطردهم عنه».
(وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) أي يمنعك من فتكهم ، مأخوذ من عصام القربة : وهو ما توكأ به أي يربط به فمها من سير جلد أو خيط ، والناس هم الكفار الذين يتضمن تبليغ الوحى بيان كفرهم وضلالهم ، وفساد عقائدهم وأعمالهم ، والنعي عليهم وعلى سلفهم ، وكان ذلك يغيظهم ويحملهم على إيذائه صلى الله عليه وسلم بالقول أو بالفعل ، وائتمروا به بعد موت أبى طالب وقرروا قتله فى دار الندوة ولكن الله تعالى عصمه منهم ، وكذلك فعل اليهود بعد الهجرة.
روى الترمذي وأبو الشيخ والحاكم وأبو نعيم والبيهقي عن بضعة رجال من الصحابة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرس فى مكة قبل نزول هذه الآية ، وكان العباس ممن يحرسه ، فلما نزلت ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرس» وروى «أن أبا طالب كان يبعث مع رسول الله من يحرسه إذا خرج حتى نزل (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فذهب ليبعث معه ، فقال يا عم إن الله حفظنى لا حاجة لى إلى من تبعث».
وقد وضعت هذه الآية وهى مكية فى سياق تبليغ أهل الكتاب وهو مدنى ، لتدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عرضة لإيذائهم أيضا ، وأن الله تعالى عصما من كيدهم ، ولتذكّر بما كان من إيذاء مشركى قومه من قبلهم.
ثم ذكر ما هو كالسبب فى العصمة فقال :
(إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) أي إنه تعالى لا يهدى أولئك القوم الكافرين الذين هم بصدد إيذائك على التبليغ إلى ما يريدون ، بل يكونون خائبين ، وتتم كلمات الله تعالى حتى يكمل بها الدين.
ثم بين أن الانتساب إلى الأديان لا ينفع أهلها إلا إذا عملوا بها فقال :
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) أي قل لأهل الكتاب من اليهود والنصارى فيما تبلغهم عن ربك (لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ) يعتد به من أمر الدين ، ولا ينفعكم الانتساب إلى موسى وعيسى والنبيين.