الإيضاح
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ) أي لا تتجاوزوا الحدود التي حدها الله ، فإن الزيادة فى الدين كالنقص فيه ، ولا تعتقدوا إلا القول الحق الثابت بنصّ دينىّ متواتر ، أو برهان عقلىّ قاطع ، وليس لكم على ما زعمتم من دعوى الاتحاد والحلول واتخاذ الصاحبة والولد شىء منها.
(إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ) إلى بنى إسرائيل ، وقد أمرهم بأن يعبدوا الله وحده ولا يشركوا به شيئا ، وزهدهم فى الدنيا ، وحثهم على التقوى ، وبشرهم بمحمد خاتم النبيين ، وأرشدهم إلى الاعتدال فى كل شىء ، فهداهم إلى الجمع بين حقوق الأبدان وحقوق الأديان.
(وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) وهو مكوّن بكلمته وأمره الذي هو «كن» من غير وساطة أب ولا نطفة ، فإنه لما أرسل إليها الروح الأمين جبريل بشرها بأنه مأمور بأن يهب لها غلاما زكيا ، فاستنكرت ذلك ، إذ هى عذراء لم تتزوج فقال لها : «كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» فكلمة (كن) هى الكلمة الدالة على التكوين بمحض القدرة عند إرادة خلق الشيء وإيجاده.
وهو أيضا مؤيد بروح منه كما قال تعالى : «وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» وكما قال فى صفات المؤمنين «أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ».
وآية الله فى خلق عيسى بكلمته وجعله بشرا سويّا بما نفخ فيه من روحه كآيته فى خلق آدم بكلمته وما نفخ فيه من روحه ، فخلقهما كان بغير السنة العامة فى خلق الناس من ذكر وأنثى «إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ».
وزعم بعض النصارى أن كلمة (منه) تدل على أن عيسى جزء من الله بمعنى أنه ابنه ، فقد نقل بعض المفسرين أن طبيبا نصرانيا للرشيد ناظر على بن حسين الواقدي