المروزي ذات يوم فقال له : إن فى كتابكم ما يدل على أن عيسى عليه السلام جزء منه تعالى وتلا الآية ، فقرأ له الواقدىّ قوله تعالى «وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ» فلئن صح ما تقول لزم أن تكون جميع هذه الأشياء جزءا منه تبارك وتعالى ـ فأفحم النصراني وأسلم ففرح بذلك الرشيد ووصل الواقدىّ بصلة عظيمة.
وقد جاء فى إنجيل متى (أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا ، لما كانت أمه مريم مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس). وفى إنجيل لوقا تفصيل لظهور الملك جبريل لها وتبشيره إياها بولد ومحاورتهما فى ذلك ، ومنها أنها سألته عن كيفية ذلك فقال لها (الروح القدس يحلّ عليك).
وفى هذا الفصل أن اليصابات أم يحيى امتلأت من الروح القدس ، وبذلك حملت بيحيى ، وكانت عاقرا ، وأن زكريا أباه امتلأ من الروح القدس.
ومن هذا تعلم أن روح القدس عندهم وعندنا واحد وهو ملك من ملائكة الله الذين لا يحصى عددهم ، وأن عيسى خلق بوساطته ، وكذلك يحيى ، وكان خلقه من وجه آخر ، إذ كان أبوه شيخا كبيرا وأمه عاقرا ولكن الواسطة والسبب واحد ، وهو الملك المسمى بروح القدس ، أيدهم الله به رجالا ونساء ، فلا يستفاد إذا من قوله : وروح منه ، أنه جزء من الله ، تعالى الله عن التركيب والتجزؤ والحلول والاتحاد بخلقه.
(فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) أي فآمنوا بالله إيمانا يليق به ، وهو أنه واحد أحد تنزه عن صفات الحوادث ، وأن كل ما فى الكون مخلوق له ، وهو الخالق له ، وأن الأرض فى مجموع ملكه أقل من حبة رمل بالنسبة إلى اليابس منها ، ومن نقطة ماء بالنسبة إلى بحارها وأنهارها ، وآمنوا برسله كلهم إيمانا يليق بشأنهم وهو أنهم عبيد له خصهم بضروب من التكريم والتعظيم ، وألهمهم بضرب من العلم والهداية بالوحى ليعلموا الناس كيف يوحّدون ربهم ويعبدونه ويشكرونه ، ولا تقولوا : الآلهة ثلاثة :