على الحق أطرا ولتقسرنّه على الحق قسرا ، أو ليضربنّ الله قلوب بعضكم ببعض ، ثم يلعنكم كما لعنهم».
وأخرج الخطيب من طريق أبى سلمة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «والذي نفس محمد بيده ليخرجنّ من أمتى ناس من قبورهم فى صورة القردة والخنازير بما داهنوا أهل المعاصي وكفّوا عن نهيهم وهم يستطيعون».
والآثار فى هذا الباب كثيرة ، وفيها وعيد عظيم على ترك التناهى ، فهل من مدّكر ، وإلى متى نعرض عن أوامر ديننا ، ولا نرعوى عن غيّنا ، ولا نتّبع أوامر شرعنا؟.
وبعد أن ذكر الله لنبيه أحوال أسلافهم ذكر له أحوال حاضريهم مما يدل على رسوخ تلك الملكات فيهم ، فقال :
(تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي ترى أيها الرسول الكريم كثيرا من بنى إسرائيل يتولون الذين كفروا من مشركى قومك ويحالفونهم عليك ويحرّضونهم على قتالك ، وأنت تؤمن بالله وبما أنزله على رسله وأنبيائه وتشهد لهم بصدق الرسالة وأولئك المشركون لا يؤمنون بكتاب ولا رسول ولا يعبدون إلها واحدا ، ولولا اتباع الهوى وتزيين الشيطان لهم أعمالهم ما فعلوا ذلك ، ولا دار هذا بخاطرهم ، وما استحبّوا العمى على الهدى «(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ» وقد روى أن كعب بن الأشرف وأصحابه ذهبوا إلى مكة واستجاشوا المشركين على الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن لم يتم لهم ما أرادوا ، إذ لم يلبّوا لهم دعوة ، ولا استجابوا لهم كلمة.
(لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) أي بئس شيئا قدموه لأنفسهم فى آخرتهم ـ الأعمال التي أوجبت سخط الله وعظيم غضبه وسيجزون بها شر الجزاء ، إذ سيحيط بهم العذاب ولا يجدون عنه مصرفا ، ويخلدون فى النار أبدا ، فالنجاة منه إنما تكون برضا الله عن عبده ، وهم لم يعملوا إلا ما يوجب سخطه وشديد غضبه