إلا لسوء نيتهم ، وفساد طويّتهم ، وذلك ما صرف قلوبهم عن التذكر والاعتبار ووجّه هممهم إلى الكيد والخداع ، فلم يكن لديهم عقول تعى وتفقه مغزى الحكم والآداب.
ثم ذكر من شئونهم ما هو شر مما سلف فقال :
(وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) أي وترى أيها الرسول كثيرا من هؤلاء اليهود الذين اتخذوا دينك هزوا ولعبا ـ يسارعون فى الظلم والعدوان وتجاوز الحدود التي ضربها الله للناس ، وفى أكل السحت وكل ما يعود على فاعله بالضرر فى الدين والدنيا ، فهم غارقون فى الإثم والعدوان ، فكلما قدروا عليهما ابتدروهما ولم يتأخروا عن ارتكابهما.
ثم بالغ فى قبح هذه الأعمال فقال :
(لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي والله ما أقبح هذا العمل الذي يعمله هؤلاء من مسارعتهم فى كل ما يفسد الأخلاق ، ويدنّس النفوس ، ويقوّض نظم المجتمع ، وويل للأمة التي يعيش فيها أمثال هؤلاء ، فهلّا نهاهم علماؤهم وزهادهم وعبّادهم عن أفعالهم بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر قبل أن يستفحل الشر ، ويعم الضّر؟ وإلى هذا أشار بقوله :
(لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ) قال فى الكشاف : لا يسمى العامل صانعا ولا العمل صناعة حتى يتمكن فيه العامل ويتدرب وينسب إليه ، وفاعل المعصية معه الشهوة التي تدعوه إليها وتحمله على ارتكابها ، وأما الذي ينهاه فلا شهوة معه فى فعل غيره ، فإذا فرّط فى الإنكار على المعصية كان أشد إثما وأعظم جرما من الفاعل لها اه.
أي هلا ينهى هؤلاء الذين يسارعون فيما ذكر من المعاصي ـ أئمتهم فى التربية والسياسة ، وعلماء الدين من الأحبار والرهبان ، لبئس ما كانوا يصنعون من الرضى بهذه الأوزار والخطايا ، وتركهم فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
روى عن ابن عباس أنه قال : ما فى القرآن أشد توبيخا من هذه الآية ـ يريد بذلك أنها حجة على العلماء إذا هم قصروا فى الهداية والإرشاد ، وتركوا النهى عن الشرور