(أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) أي إن أولئك الذين اتصفوا بما ذكر من المخازي وشنيع الأمور شر مكانا ، إذ لا مكان لهم فى الآخرة إلا النار ، وهم أضل عن قصد سواء الطريق ووسطه الذي لا إفراط فيه ولا تفريط.
ومثل هؤلاء لا يحملهم على الاستهزاء بدين المسلمين وبصلاتهم وأذانهم إلا الجهل وعمى البصيرة.
ثم بين حال المنافقين منهم فقال :
(وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) أي وإذا جاءكم المنافقون من اليهود قالوا للرسول ولكم إننا آمنا بالرسول وما أنزل عليه ، وحالهم الواقعة منهم أنهم دخلوا عليكم وهم مقيمون على الكفر والضلال وخرجوا وهم كذلك ، فحالهم عند خروجهم كحالهم عند دخولهم لم يتحولوا عن كفرهم بالرسول وما نزل من الحق؟
ولكنهم قوم دأبهم الخداع والنفاق كما جاء فى سورة البقرة : «وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ؟» الآية.
(وَاللهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ) حين دخولهم من قصد تسقّط الأخبار والتوسل إلى ذلك بالنفاق والخداع ، وحين خروجهم من الكيد والمكر والكذب الذي يلقونه إلى البعداء من قومهم كما علمت مما سلف عند قوله (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ).
وفى قوله : وهم قد خرجوا به تأكيد لكونهم حين الخروج كما هم حين الدخول ، واحتيج إليه لمجيئه على خلاف المعروف ، لأن من كان يجالس الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يسمع منه العلم والحكمة ، ويرى من أحاسن أخلاقه ما يؤثّر فى القلوب ويلين قاسيها ـ يرجع عن سوء عقيدته ، وتصفو نفسه من كدورتها إلا إذا كان متعنتا مخادعا ، فإن الذكرى لا تنفعه ، والعظات والزواجر لا تؤثر فيه.
وقد كان الرجل يجىء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد قتله حتى إذا رآه وسمع كلامه انجابت عن قلبه ظلمات الكفر والفسوق وآمن به وأحبه ، وما شذّ هؤلاء