فزع منهم ظنا منه أنهم جاءوا لا غتيا له ، إذ كان منفردا في محرابه للعبادة ، فقالوا له : لا تخف منا ، نحن اثنان جار بعضنا على بعض فاحكم بيننا حكما عادلا ولا تجر واهدنا إلى الطريق السوىّ ، ولا تشطط في الحكومة.
ثم فصّلوا موضع الخصومة فقالوا :
(إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) أي إن أخى هذا يملك تسعا وتسعين شاة وأملك شاة واحدة ، فقال ملكنيها وغلبنى في المحاجة ، فجاء بحجج لم أطق لها ردّا ولا دفعا.
ثم ذكر سبحانه حكم داود في الواقعة فقال :
(قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) أي قال داود بعد أن أقرّ المدعى عليه بما قال المدّعى : لقد ظلمك بطلبه منك إضافة نعجتك إلى نعاجه.
ثم استطرد إلى بيان أن الظلم من شيمة الإنسان فقال :
(وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ) أي وإن كثيرا ممن يتعاملون معا يجور بعضهم على بعض حين التعامل كما قال المتنبي :
والظلم من شيم النفوس فإن تجد |
|
ذا عفّة فلعلّة لا يظلم |
إلا من يخافون ربهم ويؤمنون به ويعملون صالح الأعمال ، فإن نفوسهم تعزف عن الظلم ، وترعوى خشية من خالقها ، وما أقل هؤلاء عددا ، وأندرهم وجودا كما قال : «وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ».
ثم ذكر أن داود كان قد ظن أنهما قد جاءا للاغتيال ثم تبين له غير ما كان قد ظن فقال :
(وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) أي وظن داود أن دخولهما عليه في ذلك الوقت ومن تلك الجهة ابتلاء من الله تعالى لأجل أن يغتالوه ،