هذا في مقام التذلل والخضوع كما قال عليه السلام «إنى لأستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة» وما روى من قصص الخاتم والشيطان ، وعبادة الوثن في بيت سليمان ، فذلك من أباطيل اليهود دسّوها على المسلمين ، وأبى قبولها العلماء الراسخون.
ومن ثم قال الحافظ ابن كثير : وقد رويت هذه القصة مطولة عن جماعة من السلف رضى الله عنهم كسعيد بن المسيّب وزيد بن أسلم وجماعة آخرين ، وكلها متلقاة من قصص أهل الكتاب ا ه.
(وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) أي هب لى ملكا لا يكون لأحد غيرى لعظمه.
قال صاحب الكشاف : كان سليمان عليه السلام ناشئا في بيت الملك والنبوة وارثا لهما ، فأراد أن يطلب من ربه عز وجل معجزة فطلب بحسب إلفه ملكا زائدا على الممالك زيادة خارقة للعادة بالغة حد الإعجاز ، ليكون ذلك دليلا على نبوته ، قاهرا للمبعوث إليهم ، ولن تكون معجزة حتى تخرق العادة ، فذلك معنى قوله : لا ينبغى لأحد من بعدي ا ه.
وقيل إنه أراد بقوله : لا ينبغى لأحد من بعدي ـ الدلالة على عظمه وسعته كما تقول : لفلان ما ليس لأحد من الفضل والمال. وربما كان للناس أمثال ذلك ، ولكنك تريد تعظيم ما عنده.
ثم علل المغفرة والهبة معا فقال :
(إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) أي إنك أنت الكثير المواهب والعطاء ، فأجب طلبى ، وحقق رجائى.
ثم أخبر سبحانه بأنه أجاب دعاءه ووفقه لتحصيل ما أراد وعدّد نعمه عليه فقال :
(١) (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ) أي فذللنا لطاعته إجابة لدعوته الريح تجرى لينة طيّعة له لا تمتنع عليه إلى أىّ جهة قصد.