وتذكرة لأولى العقول السليمة ، لنعتبر ونعلم أن رحمة الله قريب من المحسنين ، وأن مع العسر يسرا ، وأن الإنسان لا يقنط من الفرج بعد الشدة :
عسى فرج يأتى به الله إنه |
|
له كل يوم في خليقته أمر |
ولم يذكر لنا الكتاب الكريم ماذا كانت حاله في ماله ، فنمسك عن الكلام كما أمسك.
ثم ذكر أنه رخص له سبحانه في تحلة يمينه فقال :
(وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ) أي وخذ حزمة صغيرة من ريحان أو كلأ فاضرب بها ، فيكون ذلك تحلة ليمينك التي حلفتها ، والكتاب لم يبين لنا علام حلف؟ وعلى من حلف؟ ويذكر الرواة أنه حلف على زوجه رحمة بنت إفرائيم ، وقد كانت ذهبت لحاجة فأبطأت ، فحلف ليضربنها إن برىء مائة ضربة ، فرخص له ربه أن يأخذ حزمة صغيرة ويضربها بها ، وبذا يتحقق البر في يمينه رحمة به وبها ، لحسن خدمتها له وقيامها بواجباته المنزلية أثناء مرضه.
وفي هذا مخرج وفرج لمن اتقى الله وأناب إليه ، ولهذا قال عز اسمه :
(إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً ، نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) أي إنا وجدنا أيوب صابرا على ما أصابه فى النفس والأهل والمال من أذى ، فجازيناه بما فرّج كربته ، وأذهب لوعته ، وليس فى الشكوى إلى الله إخلال بالصبر ، وليس فيه شىء من الجزع ، فهو كتمنى العافية وطلب الشفاء.
وقد روى أنه كان يقول كلما أصابته مصيبة : اللهم أنت أخذت ، وأنت أعطيت ، وكان يقول في مناجاته : إلهى قد علمت أنه لم يخالف لسانى قلبى ، ولم يتبع قلبى بصرى ، ولم يلهنى ما ملكت يمينى ، ولم آكل إلا ومعى يتيم ، ولم أبت شبعان ولا كاسيا ومعى جائع أو عريان.