الشيطان لأنه الآمر بها والمزيّن لها ، والجبلّ : الجماعة العظيمة ، اصلوها : أي قاسوا حرها ، والختم على الأفواه : يراد به المنع من الكلام ، والطمس : إزالة الأثر بالمحو ، فاستبقوا الصراط : أي ابتدروا إلى الطريق المألوف لهم ، فأنى يبصرون : أي فكيف يبصرون الحق ، ويهتدون إليه؟ والمسخ تحويل الصورة إلى صورة أخرى قبيحة ، على مكانتهم : أي في أماكنهم حيث يجترحون القبائح ، ونعمره : أي نطل عمره ، ننكسه في الخلق : أي نقلبه فيه فلا يزال ضعفه يتزايد ، وانتقاص بنيته يكثر ، بعكس ما كان عليه في بدء أمره حتى يردّ إلى أرذل العمر.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر ما للمحسنين من نعيم واجتماع بالمحبين والإخوان والأزواج في الجنات ـ أعقبه بذكر حال المجرمين وأنهم في ذلك اليوم يطلب منهم التفرق وابتعاد بعضهم من بعض ، فيكون لهم عذابان : عذاب النار وعذاب الوحدة ، ولا عذاب فوق هذا ، ثم أردف هذا أنه قد كان لهم مندوحة من كل هذا بما أرسل إليهم من الرسل الذين بلغوهم أوامر ربهم ونواهيه ، ومنها نهيهم عن اتباع خطوات الشيطان وعن اتباعه فيما يوسوس به ، ثم ذكر أنه كان لهم فيمن قبلهم من العظات ما فيه مزدجر لهم لو تذكروا ، لكنهم اتبعوا وساوسه ، فحل بهم من النكال والوبال ما رأوا آثاره بأعينهم في الدنيا ، وفيه دليل على ما سيكون لهم في العقبى ، ثم ذكر مآل أمرهم وأنهم سيصلون نار جهنم خالدين فيها أبدا بما اكتسبت أيديهم ، وهم في هذا اليوم لا ينطقون ببنت شفة ، ولا تقبل منهم معذرة ، بل تتكلم أيديهم بما عملت ، وتشهد أرجلهم بما اكتسبت ، ثم ذكر أنه رحمة منه بعباده لم يشأ أن يعاقبهم في الدنيا بشديد العقوبات ، فلم يشأ أن يذهب أبصارهم حتى لو أرادوا الاستباق وسلوك الطريق الذي اعتادوا سلوكه ما قدروا ولا أبصروا ، ولم يشأ أن يمسخ صورهم ويجعلهم كالقردة والخنازير حتى لو أرادوا الذهاب إلى مقاصدهم ما استطاعوا ، ولو أرادوا الرجوع ما قدروا ، ثم دفع معذرة أخرى ربما