الإيضاح
(فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا؟) أي سل هؤلاء المنكرين للبعث : أىّ أصعب إيجادا ، أهم أم السموات والأرض وما بينهما من الملائكة والمخلوقات العظيمة؟
والسؤال للتوبيخ والتبكيت ، فإنهم يقرون أن هذه المخلوقات أشد منهم خلقا ، أي وإذا فكيف ينكرون البعث وهم يشاهدون ما هو أعظم مما أنكروا ، فأين هم بالنسبة لهذه العوالم التي خلقناها؟.
ثم زاد الأمر بيانا وأوضح هذا التفاوت فقال :
(إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) أي إنا خلقنا أباهم آدم من طين رخو ملتصق بعضه ببعض ، وفي هذا شهادة عليهم بالضعف والرخاوة دون الصلابة والقوة ، فأين هم من كواكب السماء ، وعالم الملائكة ، وتلك العوالم المشرقة؟ وإذا قدرنا أن نخلق تلك العوالم العظيمة فهل يعجزنا أن نعيد ما هو مخلوق من طين لا يصلح للحياة إلا بإشراق الأنوار عليه ، ووصول الآثار من العوالم الأخرى إليه.
ثم خاطب الرسول صلّى الله عليه وسلم بقوله :
(بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) أي لا تستفتهم فإنهم معاندون لا ينفع فيهم الاستفتاء ، ولا يتعجبون من تلك الدلائل ، بل مثلك من يعجب منها ، وهم يسخرون منك ومن تعجبك ومما تريهم من الآيات.
والخلاصة ـ إن قلوبهم غلف فلا تنظر فيما حولها من البراهين والآيات الدالة على البعث ، ولا تقدر أن تنفذ إلى الإيقان به ، فحالهم عجب ، ويحق لك أن تكثر التعجب منها ، فلقد بلغ من عنادهم وإصرارهم على إنكارهم أن يسخروا من مقالك ، ومن اهتمامك بإقناعهم في وجوب تسليمهم بالبعث والاعتقاد بحصوله.
(وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ) أي وهم لقسوة قلوبهم إذا وعظوا لا تنفعهم العظة ،