ولما هاجر من وطنه طلب الولد فقال :
(رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) أي رب هب لى أولادا مطيعين يعينوننى على الدعوة ، ويؤنسوننى في الغربة ، ويكونون عوضا من قومى وعشيرتى الذين فارقتهم.
فاستجاب ربه دعاءه فقال :
(فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) أي فبشرناه بمولود ذكر يبلغ الحلم ويكون حليما. وقد استفيد بلوغه من وصفه بالحلم ، لأنه لازم لتلك السن ، إذ قلما يوجد في الصبيان سعة الصدر ، وحسن الصبر ، والإغضاء عن كل أمر ، وهذا الغلام هو إسماعيل عليه السلام ، فإنه أول ولد بشّر به إبراهيم عليه السلام ، وهو أكبر من إسحاق باتفاق العلماء من أهل الكتاب والمسلمين ، بل جاء النص في التوراة على أن إسماعيل ولد لإبراهيم وسنه ست وثمانون سنة ، وولد له إسحاق وعمره تسع وتسعون سنة.
وأي حلم مثل حلمه ، عرض عليه أبوه وهو مراهق أن يذبحه فقال : «سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ» فما ظنك به بعد بلوغه ، وما نعت الله نبيا بالحلم غير إبراهيم وابنه إسماعيل عليه السلام.
(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢) فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (١٠٩) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١) وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا