النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ».
روى ابن جرير عن ابن عباس قال : «لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل فقالوا : إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول ، فلو بعثت إليه فنهيته ، فبعث أبو طالب إليه فجاء النبي صلّى الله عليه وسلم فدخل البيت وبينهم وبين أبى طالب قدر مجلس رجل واحد ، قال فخشى أبو جهل إن جلس إلى جنب أبى طالب أن يكون أرقّ عليه ، فوثب فجلس في ذلك المجلس ، ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا قرب عمه ، فجلس عند الباب فقال له أبو طالب : أي ابن أخى ما لقومك يشكونك يزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول؟ قال وأكثروا عليه من القول ، وتكلم رسول الله فقال يا عم : إنى أريدهم على كلمة واحدة يقولونها ، تدين لهم بها العرب ، وتؤدى إليهم بها العجم الجزية ، ففرحوا لكلمته ولقوله فقال القوم ما هى وأبيك ، لنعطينّكها وعشرا ، قال صلّى الله عليه وسلم (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) فقاموا فزعين ينفضون أثوابهم ويقولون : «أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً؟ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ» فنزل من هذا الموضع إلى قوله : «بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ».
(وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ) أي وانطلق أشراف قريش من مجلس أبى طالب بعد ما بكّتهم رسول الله وشاهدوا تصلبه في الدين ، ويئسوا مما كانوا يرجون منه بوساطة عمه ، يتحاورون بما جرى ويقلّبون وجوه الرأى فيما يفعلون ، ويقولون : اثبتوا على عبادتها محتملين القدح فيها والغضّ من شأنها والاستهزاء بأمرها.
ثم عللوا الأمر بالصبر بما شاهدوه من تصلبه عليه السلام فقالوا :
(إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) أي إن هذا لأمر عظيم يريد محمد إمضاءه وتنفيذه لا محالة من غير صارف يلويه ، ولا عاطف يثنيه ، لا قول يقال من طرف اللسان ،