ثم بين أنهم وعدوا الرسول أن يؤمنوا إذا كشف عنهم العذاب كما كان يحدث من قوم فرعون حين نزول الرجز بهم فقال :
(رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) أي ربنا إنا سنؤمن إن كشفت عنا العذاب ، وهذه هى طبيعة البشر إذا هم وقعوا فى شدة أيا كانت أن يعدوا بالتوبة والإقلاع عما هم فيه ، ولكن النفوس الشريرة ، لاتتجه إلى فعل الخير ، ولا تفعل ما تتقرب به إلى ربها ، انتظارا لمثوبته ، ورجاء فى غفرانه ورحمته.
روى أنه لما اشتد القحط بقريش مشى أبو سفيان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وناشده الرحم وواعده إن دعا لهم وزال ما بهم أن يؤمنوا.
ثم نفى صدقهم فى الوعد وبين أن غرضهم كشف العذاب فحسب فقال :
(أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ. ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ؟) أي كيف يتذكرون ويتعظون ويفون بما وعدوا به من الإيمان حين يكشف عنهم العذاب ، وقد جاءهم الرسول بما هو كاف فى رجوعهم إلى الحق فلم يرجعوا ، بل قال بعضهم :
إن القرآن إنما يعلمه له غلام رومىّ لبعض ثقيف ، وقال آخرون : إنه أصيب بخبل إذ تلقى إليه الجن هذه الكلمات حين يعرض له الغشي.
والخلاصة ـ إن التوبة إما أن تكون بما ينال الناس من النوائب ، وإما أن تكون بما يتضح لهم من الحقائق ، وهؤلاء قد اتضحت لهم وجوه الصواب فلم يفقهوا ، فأخذناهم بالعذاب ، ولكن كيف يرجعون به وقد ذكرناهم بالآيات وأريناهم الحقائق وهى أنجع أثرا من العقاب فلم يؤمنوا وقالوا ما قالوا.
ثم نبه إلى أنهم لا يوفون بعهدهم ، بل إذا زال الخوف نكصوا على أعقابهم ورجعوا سيرتهم الأولى وعضّوا على الكفر بالنواجذ ، وساروا على طريق الآباء والأجداد فقال :
(إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) أي إنا رافعو هذا الضر النازل بهم بالخصب الذي نوجده لهم زمنا يسيرا ، وإنا لنعلم أنهم عائدون إلى سيرتهم الأولى من