فى دينهم ودنياهم ـ ذكر هنا تفصيل هذا الوحى ، وأرشد إلى أنه هو الدين الذي وصى به أكابر الأنبياء وأصحاب الشرائع العظيمة والأتباع الكثيرة ؛ وأردف ذلك أن المشركين يشقّ عليهم دعوتهم إلى التوحيد وترك الأنداد والأوثان ، وأن الله يهدى من يشاء من عباده لهدى دينه ، وأنهم ما خالفوا الحق إلا بعد إبلاغه إليهم ، وقيام الحجة عليهم ، وأنه ما حملهم على ذلك إلا البغي والعدوان والحسد ، وأنه لو لا الكلمة السابقة من الله بإنظار المشركين بإقامة حسابهم إلى يوم المعاد لعجل لهم العقوبة فى الدنيا ، وأن من اعتنقوا الأديان من بعد الأجيال الأولى ليسوا على يقين من أمرهم وإيمانهم ، وإنما هم مقلدون لآبائهم وأسلافهم بلا دليل ولا برهان ، وهم فى حيرة من أمرهم ، وشك مريب وشقاق بعيد.
الإيضاح
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى) أي شرع لكم من الدين ما شرع لنوح ومن بعده من أرباب الشرائع وأولى العزم من الرسل ، وأمرهم به أمرا مؤكدا ؛ وتخصيص هؤلاء الأنبياء بالذكر ، لعلوّ شأنهم وعظيم شهرتهم ، ولاستمالة قلوب الكفار إلى أتباعه ، لاتفاق كلمة أكثرهم على نبوّتهم ، واختصاص اليهود بموسى عليه السّلام ، والنصارى بعيسى عليه السّلام ـ وإلا فكل نبى مأمور بما أمروا به من إقامة دين الإسلام وهو التوحيد ، وأصول الشرائع والأحكام مما لا يختلف باختلاف الأعصار كالإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة واكتساب مكارم الأخلاق وفاضل الصفات.
وفى الآية إيماء إلى أن ما شرعه لهم صادر عن كامل العلم والحكمة ، وأنه دين قديم أجمع عليه الرسل ، وما أوحاه إليه هو إما ما ذكر فى صدر السورة ، وفى قوله : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا) الآية.