ثم أكد هذا بقوله :
(أَفَلا تُبْصِرُونَ؟) ذلك وتستدلون به على قوة ملكى وعظم قدرى وضعف موسى عن مقاومتى لما فيه من فقر وعىّ وحصر.
(أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ) أي بل أنا ولا شك خير بما لى من السعة فى المال والجاه والملك العريض ـ من هذا المهين الحقير الذي لا يكاد يفصح عما يريد ، إذ كان فى لسانه حبسة فى صغره فعابه بها ، وهو لا يعلم أن الله استجاب سؤله حين قال : «وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي» فحل عقدة لسانه كما جاء فى قوله : «قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى».
قال الحسن البصري : إنه قد بقي منها شىء لم يسأل زواله ، وإنما سأل زوال ما يمنع الإبلاغ والإفهام اه.
والأشياء الخلقية لا يعاب المرء بها ولا يذم ، لكنه أراد الترويج على رعيته وصدهم عن الإيمان به.
ونحو الآية قوله : «فَحَشَرَ فَنادى. فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى. فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى».
ثم ذكر شبهة مانعة له من الرياسة ، وهى أنه لا يلبس لبس الملوك ، فلا يكون رئيسا ولا رسولا لتلازمهما فى زعمه فقال :
(فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) أي فهلا ألقى ربّ موسى عليه أساور من ذهب إن كان صادقا كما جرت عادتهم بذلك ، وهذا شبيه بما قال كفار قريش فى عظيم القريتين.
ثم ذكر شبهة أخرى وهى أنه ليس له خدم من الملائكة تعينه فقال :
(أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) أي هلا جاء معه الملائكة متتابعين متقارنين إن كان صادقا ، يعينونه على أمره ، ويشهدون له بالنبوة ، ويمشون معه ، كما نفعل نحن