نبيه عليه من الحق ـ من راجع التوبة من معاصيه ، وهذا كما روى فى الخبر «من تقرب منى شبرا تقربت منه ذراعا ، ومن أتانى يمشى أتيته هرولة» أي من أقبل إلىّ بطاعته أقبلت إليه بهدايتى وإرشادى ، بأن أشرح له صدره ، وأسهّل له أمره.
ثم أجاب عن سؤال قد يخطر بالبال ، لما ذا صار الناس متفرقين فى الدين مع أنهم أمروا بالأخذ به وعدم التفرق فيه فقال :
(وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) أي وما تفرقت الأمم إلا من بعد ما علموا أن الفرقة ضلالة ، وقد فعلوا ذلك بغيا وطلبا للرياسة ، وللحميّة حمية الجاهلية التي جعلت كل طائفة تذهب مذهبا وتدعو إليه وتقبح ما سواه ، طلبا للأحدوثة بين الناس والسيطرة عليهم.
والخلاصة ـ إن الأمم قديمها وحديثها أمروا باتفاق الكلمة وإقامة الدين وبلّغهم أنبياؤهم ذلك ، وما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بذلك ، بغيا وحسدا ، وعنادا ، وحبا للرياسة ، فدعت كل طائفة إلى مذهب ، وأنكرت ما عداه.
ثم ذكر أن هؤلاء كانوا يستحقون العذاب المعجل على سوء أفعالهم ، ولكن حكمته تعالى اقتضت تأخيره ليوم معلوم فقال :
(وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ ... لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي ولو لا الكلمة السابقة من ربك بإنظار حسابهم وتأخيره إلى يوم المعاد لعجل لهم العقوبة فى الدنيا سريعا بما دسّوا به أنفسهم من كبير الآثام وقبيح المعاصي.
ثم ذكر أن تفرقهم فى الدين باق فى أعقابهم مضافا إليه الشك فى كتابهم مع انتسابهم إليه فقال :
(وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) أي وإن أهل الكتاب الذين كانوا فى عهده صلّى الله عليه وسلّم وورثوا التوراة والإنجيل عن السابقين لهم فى شك من كتابهم ، إذ لم يؤمنوا به حق الإيمان ، فهم مقلدون أسلافهم بلا حجة ولا برهان ، وهم فى حيرة من أمرهم ، وشك أقضّ مضاجعهم ، وأوقعهم فى اضطراب وقلق.