(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ) (١) الآية. هدّد سبحانه بهذا التهديد الشديد ، والوعيد الأكيد ، في غيبة المؤمن وإظهار عيبه ، وإن صدر منه ذنب عظيم على ما يظهر من الأخبار ، فكيف يجوز غيبته ، وإشاعة فواحشه بمجرّد ترك مستحبّ؟ إذ لا شكّ في أنّه تعالى رخّص ترك المستحبّ ، وأذن فيه مطلقا.
فإذا كان الترك من جهة الإذن والرخصة ، فكيف استحلّ ما حرّمه في الآيات (٢) ، وثبت تحريمه من الأخبار المتواترة أيضا وعن إجماع المسلمين والشيعة ، سيّما مع ما ورد فيها من التهديدات البالغة ، والمؤاخذات الشديدة ، والعقابات العظيمة؟
ولا شكّ في أنّ أغلب ما يصدر من الترك إنّما هو من جهة عدم تحريمه ووقوع الرخصة من الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام في الترك بلا شكّ ولا شبهة ، بل كثيرا ما يترك من جهة الشبهة في إمام الجماعة ، وفتاوى المشهور من الفقهاء بأنّ العدالة المشترطة في إمام الجماعة هي الملكة ، بل ربّما كان موانع اخر أيضا.
فكيف يحلّل الجاهل من أئمّة الجماعة ـ على ما نشاهد الناس ـ غيبة المؤمن وإشاعة فواحشه بمجرّد ترك ما هو مستحبّ بالضرورة من مذهب الشيعة ، والمستفاد من أخبارهم ، بل وربّما يوجب عليهم غيبته ، وهتك ستره ، وإشاعة فاحشته.
هذا حال هؤلاء الجهّال ، وأمّا الصلحاء والمتديّنون ، فأكثرهم محرومون من فيض صلاة الجماعة ، من جهة أنّ الشيطان جعل في نظرهم أن ترك صلاة الجماعة احتياط منهم في الدين ، إذ ربّما كان الإمام لا يكون عادلا ، ولعلّ الأمر الذي صدر منه فسق ، أو مناف المروءة.
__________________
(١) النور (٢٤) : ١٩.
(٢) الحجرات (٤٩) : ١٢ ، الهمزة (١٠٤) : ١.