أقول : قد عرفت أنّ ما في الحديث المذكور هو الظاهر من لفظ المتابعة والاقتداء والائتمام الوارد في الأخبار ، فإنّ مطلقاته تعضد العموم الذي ذكره.
واستدلّ لعدم وجوب المتابعة فيها بالأصل ، وأنّه لو وجب المتابعة فيها أيضا لوجب على الإمام الجهر بها ، ليتمكّن المأموم من متابعته ، والتالي منتف بالإجماع فالمقدّم مثله ، وتكليف المأموم بتأخير الذكر إلى أن يعلم وقوعه من الإمام بعيد جدّا ، بل ربّما يكون مفوّتا للقدوة (١).
وفيه ؛ أنّه لو تمّ لاقتضى وجوب الجهر بتكبيرة الإحرام (٢) ، مع أنّه صرّح بأنّه يستحبّ إسماع الإمام (٣) من خلفه ، من دون تأمّل في ذلك ولا نقل خلاف ، فلو كان الاستحباب كافيا لمتابعة المأموم ، فهو في الأذكار موجود ، كما عرفت.
ووجوب المتابعة في التكبيرة المذكورة من بديهيّات الدين مسلّم عنده ، بل صرّح به.
بل لو تمّ ما ذكره لزم الجهر في كلّ ما دلّ على انتقال الإمام من فعل إلى آخر في الصلوات الواقعة في الظلمة ، بل ومطلقا ؛ لعدم انحصار المأموم في المبصر الذي يرى انتقالات الإمام ؛ إذ ربّما لا يكون مبصرا وربّما يكون لكن لا يبصر الإمام من جهة حيلولة المأموم ، أو وقوع الحائل بينه وبين الإمام ، بأن يراه واحد من صفّهم ، وإن كان أوّل الصفوف الذين هكذا حالهم ، وقد عرفت أنّه يصحّح هذا (٤) ، وباقي الفقهاء مصحّحون ذلك في غير أوّل الصفوف.
وبالجملة ؛ من المعلوم أنّ كلّ شخص من المأموم لا يرى حركات الإمام ولا
__________________
(١) مدارك الأحكام : ٤ / ٣٢٦ و ٣٢٧.
(٢) في (د ١) : الافتتاح.
(٣) في (د ١) زيادة : إيّاها.
(٤) راجع! الصفحة : ٢٨٢ ـ ٢٨٥ من هذا الكتاب.