مع أنّ الثّانية تضمّنت النهي عن التأسّي بالشارع ، ومنع حجّية فعله ، بل وجوب مخالفته ، وهذا خلاف ما عليه الأصحاب.
والأولى تضمّنت كون الصادقين عليهماالسلام من أهل الجفا من الناس ، وممّن لا يوقّر الصلاة ، ومن الذين يقولون ما لا يفعلون ، وممّن يأمرون بالبرّ وينسون أنفسهم ، إلى غير ذلك من الذموم الواردة منهما فقط ، فضلا عن غيرهما ، فضلا عمّا في القرآن ، العياذ بالله عن تجويز شيء ممّا ذكر.
فتعيّن حملها على التقيّة والاتّقاء ، كما ورد منهم التصريح بذلك في أخبار متواترة وموافقة للاعتبار وغيره.
والحمل على مجرّد إظهار جواز الترك مرجوح بملاحظة ما ذكرنا ، وأنّ هذا الإظهار يتحقّق بالقول ، فلا داعي إلى ما ذكر ، مع احتمال كون إظهار جواز الترك بفعلهما ، لئلّا يتحاشى الشيعة عن الترك ، ويلائم ذلك في أنفسهم ، فيكون محمولة على الاتّقاء حينئذ ، فتأمّل!
وبالجملة ، البناء في العمل على عدم الترك البتّة ، بملاحظة ما ذكرنا ، مضافا إلى أنّ السيّد لا يجوّز العمل بخبر الواحد.
فرواية أبي بصير إذا استدلّ بها ، لا جرم تكون عنده من القطعيّات ، مع أنّ سماعة ، قال النجاشي : أنّه ثقة ثقة ، له كتاب يرويه عنه جماعة كثيرة (١).
ونقل عن ابن الغضائري أنّه مات في حياة الصادق عليهالسلام (٢) ، وهذا منه ينادي بأنّه كان عنده إماميّا ثقة ثقة ، وأنّ كتابه في غاية الاعتبار ، كما لا يخفى على المطّلع بطريقة النجاشي ، والنجاشي أضبط وأعلم من الشيخ وغيره في معرفة الرجال.
__________________
(١) رجال النجاشي : ١٩٣ و ١٩٤ الرقم ٥١٧.
(٢) رجال النجاشي : ١٩٣.