الشيطان ، والالتفات إلى الشكّ الكثير على حسب ما أشرنا إليه في الجملة ، ويلاحظ الأدلّة من الطرفين ، والاحتياط من الجانبين ، والخطر والضرر في كلّ من الشقّين ويمشي بينهما.
ولكن الغالب في كثرة الشكّ أنّه وسواس من الشيطان يعرف به المبتلى به بلا تأمّل فيه ، ويشاهد كونه كذلك بلا خفاء ولا تزلزل ، ولذا اتّفق الفقهاء على الفتوى بعدم الالتفات مطلقا ، وأنّه حرام البتّة.
ومعظم المحقّقين يحكمون ببطلان الصلاة أيضا حينئذ لو التفت المصلّي إلى شكّه واعتبر به ، واحتاط به من جهته (١) ، كما أشرنا إليه ، والأمر كما ذكروا ، بل أشرنا في الجملة إلى مفاسد الالتفات والإتيان ، فالحذر الحذر منه.
ومن أعظم ما ابتلي هؤلاء من الشيطان ، وأشدّ المصائب ، وهو أنّه لعلّه لم يصر بعد كثير الشكّ ، ولم يصل إلى حدّه فكيف يجوز لنا الآن عدم الالتفات أصلا ، ونترك موجب الشكّ ، ونكتفي بهذه الصلاة الناقصة الخالية عن الأجزاء والركعات؟ ويتخيّلون هذا وأمثال هذا ، ويبنون أمرهم على أنّ الاحتياط في الالتفات ، ولا ينتبهون أنّهم مغرورون ، غرّهم الشيطان في هذا ، لأنّهم يصرّحون بأنّهم يشكّون في الصلاة كثيرا ، وأنّ هذا من الشيطان.
بل ربّما يشتكون من غاية كثرة شكّهم ، ونهاية لجاجة الشيطان في ذلك ، وشدّة إصراره في كثرة صدور الشكّ منهم واستمراره.
ومع ذلك يقولون : نخاف أن لم نصر كثير الشكّ ، فلا بدّ لنا من الالتفات إلى الشكّ ومراعاته ، وربّما يسألون الفقيه ، ويقولون : كثيرا ما نشك في الصلاة ، هل صرنا كثير الشكّ أم لا؟ وربّما يقولون : الشيطان لا يدعنا نصلّي بغير شكّ ، وما
__________________
(١) الدروس الشرعيّة : ١ / ٢٠٠ ، ذكرى الشيعة : ٤ / ٥٦ ، روض الجنان : ٣٤٣ ، مدارك الأحكام : ٤ / ٢٧٢.