للكوفة من الشام. وكان من شأن التدابير الواسعة التي اخذ بها الامام في دعوة الاقطار الاسلامية الى الجهاد ، ومن بوادر النشاط الذي تطوع له الشيعة في عضد هذه الدعوة ، ما هو خليق بأن يبعث في نفوس القلقين من الخونة والرؤساء المتبوعين ، الخوف على أنفسهم ومصالحهم ، وان يزدادوا حذرا مما كانوا قد تورطوا فيه من مناورات ومعارضات تجاه معسكرهم في الكوفة. فرأوا في الالتحاق بمعاوية خروجا من هذا الخوف ، وتحريبا سريع الاثر في قوة الجانب الذي يخافونه ، وكان من تنفيذ الخطة في أضيق وقت وعلى اوسع نطاق ، ما يؤيد كونها نتيجة لمؤامرة كثيرة الانصار.
ولعل فهم مأساة الهزيمة على هذا الوجه اقرب الى الواقع ، مما فهمها عليه سائر رواتها من أعدائها ومن اصدقائها.
وليس معنى هذا التفسير ، أن معاوية لم يعد أحدا او لم يرش قائدا.
كلا ... فانه سخا بالمواعيد حتى أذهلهم ، واعطي القائد وحده مليونا من الدراهم حتى اشترى دينه وكرامته.
ولكن الشيء الذي يسترعي النظر ويستدعي التنبيه ، ان حوادث الهزيمة لم تنسب الى اسم صريح اخر غير عبيدالله بن عباس [ قائد المقدمة في مسكن ] أنه قبض من معاوية في سبيل الخيانة نقدا معينا.
تري ، فكيف رضي الزعماء الاخرون من معاوية بالوعد دون النقد ، لولا ان يكون الخوف الذي ذكرناه ، هوالذي بعث فيهم روح الهزيمة وزين لهم الاكتفاء بالوعود!!.
وللخوف سلطانه على النفوس ، ولاسيما نفوس المترفين من الناس ، فلا بدع اذا قدح في نفوس « أبناء البيوتات » فكرة الخيانة وأوقدتها ـ بعد ذلك ـ مغريات الشام ، في بيئة ليس فيها اغراء بغير الله والعدل الصارم.
وهكذا انكشفت كل جماعة من عناصر هذا الجيش عن مكنونها الذي مزف الستار ، وظهر على المسرح باللون الذي لا تشتبه فيه الابصار ، فكان