وموقفه الفطير من شهداء ( مرج عذراء ) ، واشياء اخرى ليس هنا مجال بحثها.
ولكننا ـ ولننصف القائلين بدهائه ـ نتذكر لمعاوية موقفا يشبه أن يكون فيه « الداهية » الذي يحيك الخطط ليمهد الى غده ، ثم هو يصدر الى الناس من وراء خطته بعذر يقبله المعنيون به.
ذلك هو الموقف المبرقع الذي وقفه معاوية من نجدة عثمان ، يوم خلع وقتل ..
وربح معاوية من مقتل عثمان انصارا من « العثمانية » قبلوا عذره اذ يخذل (١) عثمان وهو حي ، ثم تطوعوا له لينصر بهم عثمان وهو ميت ، وهو انما ينتصر بهم لنفسه ، ولكنهم لا يشعرون. فعزز بهذه الحفنة من
__________________
١ ـ نجد التصريح بهذه الحقيقة التاريخية في كثير مما دار حولها من أحاديث معاصريها وخطبهم وأشعارهم. وكان فيما واجه به شبث بن ربعي معاوية أن قال له : « انه والله لا يخفي علينا ما تعزو وما تطلب ، انك لم تجد شيئا تستغوي به الناس وتستميل به أهواءهم ، وتستخلص به طاعتهم الاقولك : قتل امامكم مظلوما فنحن نطلب بدمه ، فاستجاب له سفهاء طغام ، وقد علمنا ان قد ابطأت عنه بالنصر ، وأحببت له القتل لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب ، ورب متمني أمر وطالبه ، الله عزوجل يحول دونه بقدرته. وربما اوتي المتمني أمنيته وفوق أمنيته. ووالله ما لك في واحدة منهما خير ، لئن اخطأت ما ترجو ، لانت شر العرب حالا في ذلك ، ولئن أصبت ما تمني ، لا تصيبه حتى تستحق من ربك صلي النار ، فاتق الله يا معاوية ، ودع ما أنت عليه ولا تنازع الامر اهله .. ». الطبري ( ج ٥ ص ٢٤٣ ).
وأخرج ابن عساكر عن ابي الطفيل عامر بن واثلة ، أنه دخل على معاوية فقال له : « ما منعك عن نصر عثمان اذ لم ينصره المهاجرون والانصار؟ ». فقال معاوية : « أما لقد كان حقه واجبا عليهم أن ينصوره ». قال : « فما منعك يا امير المؤمنين من نصره ومعك أهل الشام؟ » فقال معاوية « أما طلبي بدمه نصرة له؟ » فضحك أبو الطفيل بن واثلة ثم قال : « انت وعثمان كما قال الشاعر » :
« لا الفينك بعد
الموت تندبني |
|
وفي حياتي ما
زودتني زادي! » |
وروى المسعودى ما رواه ابن عساكر ثم ذكر في جواب ابي الطفيل لمعاوية قوله : « منعنى ما منعك اذ تربص به ريب المنون ، وانت بالشام!»