ويوقفه على قدميه المباركتين ، ثم لا يزال يباغمه بأنشودته المقدسة : « حزقه حزقه ، ترقَّ عينَ بقّه » فيرقى بقدميه الصغيرتين متدرجا حتى يضعهما على صدر جده العظيم ، ويفتح فاه ، اذ يقول له : « افتح فاك » ، فيقبله بفيه ، ثم يقول : « اللهم انى احبه فأحبَّه وأحبَّ من أحبَّه (١) ».
ثم كانت هذه الذكرى مفتاح ذكريات كان من حقها ان تؤنسه وأن تنسيه مزعجات لحظته الاخيرة ، وأن أسطع فترة في حياة كل انسان هي فتره طفولته البريئة بما يعمرها من الروابط المقدسة ـ بينه وبين الاحضان التي يلجأ اليها ، وبينه وبين المجتمع الذي يعيش فيه ـ. وأن ذكريات تلك الفترة من حياة أيّ انسان تبقى خالدة في رأسه وفي قلبه وفي روحه ولا يمكن نسيانها ابدا.
فذكر مرةً جده رسول الله صلى الله عليه واله. وقد وضعه على منكبه الايمن ، ووضع أخاه الحسين على منكبه الايسر ، فاستقبله أبوبكر فقال لهما : « نعم المركب ركبتما ياغلامان ». فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ونعم الراكبان هما ، ان هذين الغلامين ريحانتاي من الدنيا! (٢) ».
وذكر يوم جثا جده وأركبه على ظهره ، وأركب معه أخاه الحسين ، وقال لهما : « نعم الجمل جملكما ، ونعم العدلان أنتما (٣) ».
وذكر مرةً اخرى يوم جاء وجده ساجد فركب رقبته وهو في صلاته (٤). ويوم جاء وجده راكع ، فأخرج له بين رجليه حتى خرج من الجانب الاخر (٥). ويوم قيل لجده : « يا رسول الله انك تصنع بهذا
__________________
١ ـ الزمخشري وابن البيع والطبراني وينابيع المودة والاصابة ( ج ٢ ص ١٢ ) وغيرها.
٢ ـ كتاب سليم بن قيس ، والبيهقي في المحاسن والمساويء ( ص ٤٩ ) وروى الاخير قول الحميري في نظمه الحديث :
اتى حسنا والحسين
الرسول |
|
وقد برزا ضحوة
يلعبان |
فضمهما وتفداهما |
|
وكانا لديه بذاك
المكان |
و مرا وتحتهما
عاتقاه |
|
فنعم المطيه وألراكبان |
٣ ـ الابانة لابن بطة.
٤ ـ الحلية لابي نعيم.
٥ ـ الاصابة ( ج ٢ ص ١١ ).