واذا لم يكن شيء مما يراه الان ، واقعا خارجيا ، فليكن بحقيقته واقعا نفسيا ، جلاه لناظره تيار روحي لا ينقطع بروحه عن هذا الجد وهذين الابوين ، كما كان لا ينقطع عنهم بجسمه ـ في الواقع الخارجي ـ يوم الف الله وفده لمباهلة نصارى نجران ، فكان الوفد هو الحسن وجده وأباه وأمه وأخاه ، ويوم دعا رسول الله صلى الله عليه واله بالكساء فلفّه على الصفوة المختارة ( أصحاب الكساء الخمسة ) فكانوا ( الحسنين وأبويهما وجدهما الاعظم ) ، يوم نزلت آية التطهير ففسَّرها النبي (ص) بالخمسة الميامين عليهمالسلام.
خصائص من العظمة لا يشاركهم فيها أحد في الاسلام.
وتراءت له من وراء أفقه الحزين ، صور ممتعة من طفولته المباركة وصباه الباكر الكريم ، فتطلع منها الى أيامه البيض الحافلة بالنور في المدينة المنوَّرة ، يوم كان يدرج فيها بموقعه الممتاز ، ومقامه المدلّل المرموق بين أقرانه وأترابه ، ويوم كان يلعب ويمرح فيها ، ولكن بين سواعد أبويه العظيمين وعلى صدر جده الاعظم أو على ظهره المقدس او على أعواد منبره الشريف ، ويوم كان يتلقّف الوحي منذ لحظاته الاولى ، ويتعلم كلمات الله من لسان نبيّ الله (ص) ، ويتخرج بعلمه على مصدر العلم ، ويضع النقاط على الحروف ليستقبل سيادته على الناس ، وأمامته المفروضة في أعناق المسلمين. وأنه ليستمع الى جده حين كان يراود الناس في كل مناسبة على الاعتراف له ـ بلسان أشبه بمباهاة ـ كلما ذكر ابنه الحسن للسيادة وألامامة. وطالما ذكره لمهما في حديثه أو ذكرهما له.
كانت عهودا مفعمةً بروح العظمة وبعظمة الروح ، جديرة بأن تهيب بالحسن فيتذكر منها اطيب الذكريات ، وأحفلها بالغبطة والقوة والمكرمات.
وكانت الذكرى الاخاذة التي تمكنت بسلطانها من نفسه حتى انتزعت منه ابتسامته الملذوذة غير مظنون الابتسام في ظرفه. انه رأى جده رسول الله صلى الله عليه واله كأنه ينتزعه الان من عاتق أمه فيأخذه بيده ،