وان هذه الفتنة هي الفتنة التي عناها فيما لوَّح اليه في أحاديثه الشريفة ، ولا فتنة أعظم من فتنة تشق المسلمين انشقاقهم هذا ، فتلهيهم عما يُراد بهم أعدائهم الواقفين لهم بالمرصاد (١) ، وعما يراد منهم من اعمار وتنظيم وجهاد.
واما الحكم على البغاة بحصانة الاسلام ، فهو ما يشير اليه موقف أمير المؤمنين عليهالسلام منهم ، حين منع سبي نسائهم وذراريهم ، وكفى بسيرة أميرالمؤمنين أسوةً صالحة وقدوة في الدين راجحة.
واما السؤال عن الكفاية لقمع هذه الفتنة بالقوة ، وهو الحلم اللذيذ الذي هتف به الشيعة المتحمسون بالكوفة ابان النهضة للجهاد.
فالجواب عليه ، يتوقف على دراسة الموقف من ناحيتيه المعنوية والعددية معا ، وذلك باستعراض الامكانيات الحاضرة على حقيقتها. والمعنويات في الجيوش هي رمز القوة التي تدخر لربح الوقائع ، وهي أهم بكثير من تصاعد الاعداد التي لا تعزّزها الروح العسكرية الرفيعة.
وكان للحسن في مَسكن بقية من جيش ، لا تجد المعنويات سبيلها اليه الا بالمعجزة ، بعد النكبة التي أصيب بها هذا المعسكر بخيانة قائده وفرار ثمانية الاف من أفراده.
وفي المدائن ، مجموعة من أشباح ، كشفت الارجافات الدوة المربكة عن نواياها ، فاذا بها لا تفتأ تتلقّف الفتن ، وتهمّ بالعظائم ولا ترجى لميدان حرب ، وهذه هي الناحية المعنوية على واقعها.
واما النسبة العددية فقد كان أكبر عدد بلغه جيش الحسن عليهالسلام فيما زحف به الى لقاء معاوية عشرين الفا أو يزيدها قليلا ، وكان جيش معاوية الذي عسكر به على حدود العراق ستين الفا!.
فللحسن ـ يومئذ ـ ثلث أعداد جيش معاوية.
__________________
١ ـ اشارة الى محاولات البيز نطيين عند ثغور الشام سنة ٤٠ هـ.