ولسيد الانبياء صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيما تحملته عنه الاسانيد الصحيحة من كلماته القصار ، بلاغته التي تتقاصر عن شأوها ملكات العظماء من بلغاء الناس. ثم هي في فيضها العربي الرائع ، أعجوبة اللغة في سعتها وروعتها ، وان من أروع وجوه الامتياز في البلاغة النبوية اشعاعها الخاص الى المعاني الكثيرة باللفظ القليل ، فتارة بالتصريح وأخرى بالتلويح. ومن هنا كان اتصالها الكثير بالنبوءات الصادقة التي لا يفارقها الاعجاز.
وكان هذا النوع من البلاغة ـ بذاته ـ دليل صحة الحديث النبوي اذا كان في صحته ما يقال.
ومن ذلك ، قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في سبيل النص على امامة سبطيه الكريمين الحسن والحسين عليهماالسلام : « انهما امامان ان قاما وان قعدا » ـ ولقد تتدبر ظاهر هذا الحديث فلا تفهم منه الا التصريح بامامة السيدين الحسنين ، ثم تتدبره من وراء هذا الظاهر ، فتراه يلمح بنبوءته الصادقة الى سيرة كل من هذين الامامين ، ويدل على أن احدهما سيقوم وأن الآخر سيقعد ، أو على أن أحدهما أو كلا منهما سيكون مرةً قائماً ، واخرى قاعدا ، ثم هو في كل من الحالين امام لا يجوز الخلاف عليه على اختلاف حاليه.
ولم يكن أحد في الاسلام أكثر استيعابا لنبوءات رسول الله صلى الله عليه واله فيما أثر عنه ، من ابنه وخليفته الحسن بن علي ، فعلم ما عناه جده فيما أثبته له أو رفعه عنه ، في هذين الحديثين ، وفي أحاديث كثيرة أخرى.
وانه لأولى من يتمسك بنبوءاته ، ليتخذ منها مناهج حياته ومماته.
أو ليس هو ابن ذلك النبي (ص) ووارث شمائله ، ووصيّه على أمته؟ فليكن ما يلقاه من قومه ، شبيه مالقيه النبي من قومه ، ـ في دعوته ـ ، وليقل اليوم مثل ما كان يقوله النبي يوم ذاك :
« اللهم اهدِ قومي فانهم لا يعلمون ».
ولهذه النبوَّة من تلكم النبوة ، خاصّتها الكريمة ، التي غلب بها الحسن