سائر المسلمين في دنيا الاسلام ، واستغنى بها عن القوة المادية وعن الثروة والسلطان ، لانها بحقيقتها قوة وثروة وسلطان.
فليبغ عليه معاوية ، وليخنه عبيدالله بن عباس ولتخذله الكوفة ، فلن تخذله بنوته الكريمة من رسول الله ، ولن تخونه امامته المفروضة بأمر الله ، ولن تبغي عليه مودته الواجبة في كتاب الله.
وما قيمة الملك المحدود ، اذا قيس بالملك الروحي الذي لا تبلغه الحدود.
وما كان الاخفاق ولا الفشل ولا الموت ، بقادر على القضاء ـ ولو يوماً واحداً ـ على هذه المعنويات الروحية التي طبقت الجواء فخارا ، وتجارب بها التاريخ اعجاباً واكبارا ، وبسطت سلطانها على قلوب المسلمين ، لا يحرمها الزدهار عدوان المعتدين ، ولا يمنعها الاثمار انكار المنكرين الجاحدين. وها هي ذي الى يوم الناس هذا لتصّاعد قدماً في عظمتها وعلى طريق خلودها ، في خط مستقيم بدون انحناءات.
والى هنا وقد تبينا ـ بهذا ـ الصلة الوشيجة بين الحسن وبين الينبوع الذي ينض بالخير على البشرية في مزالق الشر، وبالهدى على المسلمين في مواقف الفتنة وألتيه ، وبالبركة على الدنيا في ساعات الجدب والحرمان ، وعرفنا الحسن بوصفه ابن رسول الله وسيد شباب أهل الجنة واماماً يشارك القرآن في امامته.
بقي علينا ان ننقاد بشيء كثير من العناية والاهتمام ، الى فهم ما يرمز اليه الحسن نفسه في ايضاح موقفه ـ بين الملك والمبدأ ـ.
ولنرسم الآن صورة موجزة مختارة من كثير كثير ، مما تناقلته عنه الحكايات المتناثرة بأسانيدها المتفاوتة في الثقة ، ثم لنستظهر ـ بعد ذلك ـ اشارته البليغة الواردة فيما نذكره من هذه الحكايات ، وهي ذات اهمية كبرى ، لتوجيهنا الى القول الفصل في الموضوع.