ولنستمع الآن الى تصريح شخصي منه له قيمته في موضوعنا الخاص.
انه يجيب على السؤال العاتب الذي ألقاه عليه « سليمان بن صرد » الرجل الذي وصفه ابن قتيبة « بسيد العراق ورئيسهم (١) » ، فيقول :
« ولو كنت بالحزم في أمر الدنيا وللدنيا أعمل وأنصب ، ما كان معاوية بأبأس مني وأشد شكيمة ، ولكان رأيي غير ما رأيتم ... (٢) »
ومثل واحد يغني عن كثير مما أجاب به شيعته.
أما أجوبته لاعدائه ، وفيهم من يسرّه أن يؤذيه وقد أمن الشر من ناحيته ، كعبدالله بن الزبير الذي كان يعلن مناوأته لآل محمد (ص) ، فكان مما أجابه به قوله « وتزعم أني سلسَّمت الامر ، وكيف يكون ذلك ـ ويحك ـ كذلك ، وأنا ابن أشجع العرب ، وقد ولدتني فاطمة سيدة نساء العالمين. لم افعل ذلك ـ ويحك ـ جبنا ولا ضعفا ولكنه بايعني مثلك ، وهو يطلبني بترةٍ ، ويداجيني الموّدة ، ولم أثق بنصرته .. (٣) ».
وتصريح آخر قصير ولكنه خطير ، ولعله على اجماله ، أبلغ تصريح في هذا الصدد ، وهو ما يجيب به شقيقه ومزاج مائه ، وشريك حوبائه في سراته وضرائه « الحسين عليهالسلام ».
انه سأله : « ما الذى دعاك الى تسليم الامر؟ » فقال : « الذى دعا أباك فيما تقدم (٤) ».
اقول : ولتكفنا هذه النماذج القليلة عن كثير من مثيلاتها ، شاهدا على « الامتحان » القاسي الذي تعرضت له الامامة من أصدقائها ومن اعدائها ، والذي خرجت منه ـ في نهاية المطاف ـ مزهوةً بدرجة الشرف في النجاح.
ونحن اذا نخلنا تصريحات الامام في هذا الصدد ، وجدناها تنكشف
__________________
١ و ٢ ـ ابن قتيبة الدينوري في الامامة والسياسة ( ص ١٥١ ).
٣ ـ المحاسن والمساويء للبيهقي ( ج ٢ ص ٦٠ ـ ٦٥ ).
٤ ـ البحار ( ج ١٠ ص ١١٣ ).