الله عليه واله يوم الحديبية وبني أشجع ، ونكب من أنصاره كما نكب أبوه عليهالسلام بخذلان الناصر يوم « السقيفة » ويوم « الشورى (١) » ، فلم لا يتخذ من جده وأبيه مثله ، وينجز على سنتّهما عمله ، وما من غضاضة عليه اذا كان فيما أتاه ثالث هذين الاثنين العظيمين.
ثم نقول على هامش ما ورد في دلالة البند الثاني : ان الحسن بن علي كان قد أخذ على نفسه أن يضع مواهبه وحياته وتاريخه وكيانه السياسي وما أوتي من جلد وقوة ، رهنا بخدمة مبدئه وقربانا في سبيل تخليده واعلاء كلمته ، وكان في خطوته الجبّارة التي ختم بها موقفه ـ بين المبدأ والملك ـ الامام الزاهد بالدنيا والخليفة الذي لم ينزل الى قبول المسؤولية من الناس الا ليصعد من طريقها الى اقامة المُثل الانسانية في الناس.
فهو فيما أخذ وفيما ترك ، كان المثل الاعلى للزعماء المبدئيين.
وجاءته الدنيا طائعة بملكها وثروتها ونفوذها ولذاذاتها ، ولم تكلّفه ثمنا لانقيادها اليه ، وأختصاصها به ، وعكوفها بين يديه ، الا ايثارها من ناحيته ، فأبى.
ولو أنه كان فعل ، فآثرها « وحزم ونصب لها » لكان ـ بدون شك ـ أربح انسان فيها ، لانه اذ ذاك الملك الذي جمع أفضل نسب في تاريخ الانسانية ، الى اعظم مملكة في تاريخ الممالك.
ولكنه كان عليه ، لو رضينا له أن يكون دنيويا ـ وفرض المحال غير محال ـ أن يتجرد من قيود وراثته وتربيته ، وأن يترك عنعناته الروحية جانبا ، وأن يكون هو غير الحسن بن علي وابن فاطمة وسبط رسول الله
__________________
١ ـ للتعريف بيوم السقيفة بحوثها التي استوفتها الكتب الطوال ، واما يوم الشورى ، فأن احسن عرض لموقف علي عليهالسلام منه ، هو ما يدل عليه قوله هو لاصحاب الشورى يومئذ : « لقد علمتم أني احق الناس بها من غيري. ووالله لا سلمن ما سلمت امور المسلمين ولم يكن فيها جور الا علي خاصة ، التماسا لاجر ذلك وفضله ، وزهدا فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه .. » ـ النهج ( ج ١ ص ١٢٤ ).