ان الحسن لو حاول أن يجيب على حدّة مأزقه التي اصطلحت عليه في لحظته الاخيرة في المدائن ، باراقة دمه الطاهر في سبيل اللّه عزّ وجل انكاراً على البغي الذي صارحه به ستون ألفاً من أجناد الشام ، وايثاراً للشهادة ومقامها الكريم ـ لحيل بينه وبين ما يريد ، ولكان ـ بلا ريب ـ ذلك المقتول الضائع الدم الذي لن يستطيع أصدقاؤه في التاريخ أن يسجلوا له الشهادة كما تقتضيها كلمة « شهيد ».
ذلك لان الظرف المؤسف الذي انتهى اليه طالع المدائن بما عبرت عنه الفوضى الرعناء في صيحاتها الكافرة وفي سلاحها ـ أيضاً ـ ، وبما كشفت عنه كتب الخونة الكوفيين في مواثيقهم لمعاوية على الفتك بالحسن ـ وهو ما وقف عليه الحسن نفسه في رسائلهم ـ ، كل ذلك يفرض علينا الاستسلام للاعتقاد بأن فكرةً قوية الانصار من رجالات المعسكر ، كانت قد قررت التورط في أعظم جريمة من أمر الامام عليهالسلام ، وأنهم كانوا يتحينون الفرص لاقتراف هذه البائقة الكبرى.
ووجدوا من تلاشي النظام في المعسكر ، بما انتاشه من الفزع وبما انتابه من الفتن ، وبما بلغه من أخبار مسكن ، ومن الفوضى « المصطنعة » التي اطلعت رأسها بين جماهيره الهوج ـ ظرفاً مناسباً لانزال الضربة الحاسمة التي كانت هدف الخوارج فيما أرادوه من جهادهم مع الحسن وكانت غاية « الحزب الاموي » فيما تم عليه الاتفاق بينه وبين معاوية. ولا ننسى أن معاوية نفسه كان قد لوّح للحسن عليهالسلام في رسائله الاولى اليه ، بما يشعره التهديد بهذه الخطة العدوة ـ من أول الامر ـ. والا فما معنى قوله هناك : « فاحذر أن تكون منيتك على أيدي رعاع من الناس!!. ».
وبلغ من دقة الموقف وتوتر الوضع ، في لحظات المدائن الاخيرة ، أن أيَّ حركة من الامام عليهالسلام سواء في سبيل الحرب أو في سبيل الصلح ، وفي سبيل الانضمام الى الجبهة في مسكن أو في سبيل العودة الى الكوفة ـ مثلاً ـ ، لابد أن تنقلب الى خلاف حادّ ، فتمرد واسع ، فثورة