مسلحة هوجاء ، هي كل ما يتمناه معاوية ، ويُصوِّب له ذهبه وخزائنه.
ولن يطفئ النائرة يومئذ لو اتقدت جذوتها الا دم الحسن الزكي.
وللثورات الجامحة أحكامها القاسية وتجنياتها التي لا تبالي في سبيل الوصول الى أهدافها بالاشخاص مهما عظمت مكانتهم في النفوس.
أَوَليست طعنة الحسن في ساباط المدائن دليلاً على ما نقول؟. وهل كانت الا الطعنة التي تطوعت الى قتله عن ارادة وعمد؟ وكان قد خرج اذ ذاك من فسطاطه يؤم مقصورة عامله على « المدائن » ليتجنب ضوضاء الناس ، وليكون هناك أقدر على اتخاذ ما يحتمله الظرف من تدبير.
وهنا يقول المؤرخون ما لفظه : « وأحدق به طوائف من خاصته وشيعته ، ومنعوا عنه من أراده ». وفي نص آخر : « فأطافوا به ودفعوا الناس عنه » أقول : فمِمَّ كانوا يدفعون الناس عنه؟ ومِمَّ منعوا من أراده؟ .. أوَليس هذا كله صريحاً بأنه أصبح مهدداً على حياته ، وأن الذين خرجوا معه كمجاهدين يدافعون عنه انكشفوا ـ بعد قليل ـ عن أعداءٍ يتدافعون عليه؟؟.
وهل كان انكفاؤه الى مقصورة سعد بن مسعود ، الا ليبتعد عن المحيط المفتون الذي أصبح يستعد لثورة لا يُدرى مدى اندفاعها بالموبقات؟. ورأى بأم رأسه انسياح فصائله أنفسهم في مضاربه نهباً ، وفي مقامه المقدس تكفيراً وسباً ، ورأى تحاملهم المقصود على ايذائه وتدافعهم العامد على العظيم من أمره ، فعلم أنهم أصبحوا لا يطيقون رؤيته ، وأن ظهوره بشخصه بينهم هو مثار تمردهم الخبيث ، فانتقل غير بعيد ، وكانت انتقالته نفسها احدى وسائله لعلاج الموقف ، لو أنه وجد للعلاج سبيلاً.
وبديهيّ أنه لم يكن أحد آخر في الدنيا كلها ، أحرص من الحسن نفسه على الفوز في قضيته ، ولا أكثر عملاً ، ولا أشد اهتماماً ، ولا أنشط حيوية ، ولا أسرع تضحية فيما تستدعيه من تضحيات.