الاشتراك فيها.
وأما لو قدر لهذه الحرب القصيرة العمر ، أن تجتاح في طاحونتها حتى الحسن لينال الشهادة ، وافترضنا أنه كان قد استطاع التسلل الى مسكن والاشتراك في القتال ـ الامر الذي لا ينسجم وسير الحوادث هناك كما عرفت قريباً ـ فالجواب هو أن الشهادة التي يكون ثمنها امحاء المبدأ امحاءً أبدياً ، لا يمكن ان تكون وسيلة نجاح في اللّه ولا في التاريخ.
وان التاريخ الذي سيناط به ذكر هذه الحرب ، بعد شهادة الحسن وذيولها المؤسفة ، سيروي للاجيال من شؤون الحسن وحروبه ، ما لا يخرج بمفهومه عن معنى « الخروج ». وذلك هو ما أردنا التلميح اليه في كلامنا على « خطة معاوية تجاه أهداف الحسن » من هذا الفصل.
ولكي نزيد هذا الاجمال توضيحاً نقول :
علمنا مما تقدم ، أن الصفوة من حملة الكتاب ، والبقية من الصحابة الابرار ، والنخبة المختارة من الشيعة الاوفياء ، كانوا قد اجتمعوا للحسن عليهالسلام فيمن دلف به الى معاوية في زحفه هذا. ولا نعرف أن احداً من هذا الطراز تخلَّف مختاراً عن تلبية الحسن فيما دعا اليه من الجهاد.
فكان الموقف في هذه اللحظة المبدئية الدقيقة بين الحسن ومعاوية ، أشبه بالموقف الآنف بين أبويهما رسول اللّه (ص) وأبي سفيان بن حرب يوم كان يبرز الايمان كله للشرك كله.
وعلمنا مما تقدم ايضاً أنه لم يكن في الدنيا كلها مجموعة اخرى تؤتمن على الثقل الاكبر من نواميس الاسلام ، والمبادئ المثالية الصحيحة على وجهها الصحيح ، مثل هذه المجموعة التي اجتمعت للحسن في هذا الزحف.
فكان معنى تنفيذ فكرة الحرب ، والتورّط بهذه الزمرة في القتال المستميت الذي لن ينكشف منهم على نافخ ضرمة قط ، هو التفريط بالثقل الاكبر الذي يحملونه ولا يحمله في الدنيا أحد غيرهم.