وكانت الجيوش والاسلحة والحركات السوقية في الزحف الى المعسكرات ، هي الاخرى بعض وسائله الى الصلح ، ولم يشأ أن يبدأ بهم غاراته على العراق ، لانه لن يلتحم مع الحسن بقتال ، الا اذا اعيته الوسائل كلها ، والوسائل في عرف معاوية ، غير الوسائل في عرف الناس أو في عرف الدين الجديد.
ومن الحق أن نقول : ان وسائله في هذا الميدان ، كانت من النوع المحبوك الصنع ، الدقيق الاساليب ، الموفق كل التوفيق ، في سبيل الغرض الذي رمى اليه ، من اصطناع الظرف الخاص الذي يذكر عدوه بالصلح.
فاذا باع القائد في جبهة العراق ضميره لمعاوية بالمال ، وباع معه أكثر الرؤساء ضمائرهم بالعِدات.
واذا أصبح المعسكران في مسكن والمدائن يعجان بالشائعات التي راحت تمطرهما بوابل من الويل والثبور والمخاوف.
واذا أصبح الحسن نفسه لا يتسنى له تنفيذ أوامره في جيشه بما فعلته الاراجيف من حوله ، بل لا يستطيع الظهور بشخصه أمام الكثرة من جنوده ، الا ليغتال بين مضاربه وعلى سواعد أصحابه.
فهل من سبيل الا الصلح؟ ..
انه الظرف الذي استعصى صلاحه بفساد ناسه ، ولا تثريب على الحسن من ظرفه اذا فسد ، وناسه اذا فشت فيهم الفتنة ، وان لانحراف الطبائع حكمه ، ولحداثة الاسلام خاصتها ، في القلقين من المسلمين أو في المفروضين على الاسلام فرضاً.
واذا قدر للحسن أن يخسر بخيانة جنوده ، أو ببراعة الفتن التي تسلح بها عدوه « معركته الاولى » ، فليكن منذ اليوم عند « معركته الثانية » التي لا تنالها خيانة الجنود ، ولا يضيرها انحراف الطبائع ، ولا تزيدها