دسائس العدوّ ولا أساليب فتنه البارعة الا مضاءً ونفوذاً وانتصاراً مع الايام.
وتلك هي « الفذلكة » التي أجاد الحسن استغلالها كأحسن ما تكون الاجادة ، واستغفل بها معاوية أشد ما يكون في موقفه من الحسن يقَظةً ونشاطاً وانتباهاً.
انه لبى طلب معاوية للصلح ، ولكنه لم يلبه الا ليركسه في شروط لا يسع رجلاً كمعاوية الا أن يجهر في غده القريب بنقضها شرطاً شرطاً. ثم لا يسع الناس ـ اذا هو فعل ذلك ـ الا ان يجاهروه السخط والانكار ، فاذا بالصلح نواة السخط الممتد مع الاجيال ، واذا بهذا السخط نواة الثورات التي تعاونت على تصفية السيطرة الاغتصابية في التاريخ.
وليكن هذا هو التصميم السياسي الذي نزل الحسن من طريقه الى قبول الصلح ، ولتكن هذه هي الفذلكة التي استغفل بها معاوية فكانت من أبرز معاني العبقرية المظلومة في الامام المظلوم.
وأيّ غضاضة على الحسن ـ بعد هذا ـ اذا هو وقّع الصلح وفق الخطط المرسومة.
وان له من حراجة ميدانه الاول ، ومن الامل بنتائج ميدانه الثاني ما يزين له حديث الصلح ، فضلاً عما يستأثر به هذا الحديث من ظاهرة الاصلاح في الامة ، وما يتفق معه من حقن الدماء وصيانة المقدسات ، وتحقيق وجهة النظر الاسلامي.
وكانت اشهراً لم تناهز عدد الاصابع العشر ، ولكنها ناهزت عدد النجوم هزاهز وزعازع ، وكانت قطعة من الزمن يتجه اليها القلب بكل ما يملكه من حبٍّ واعجاب ، فاحت بروائح النبوة ، وتجلت فيها مزايا الامامة الصادقة ، وتكشفت على قلتها وقصر مدتها عن حقائق كثير كثير من