وزاد أبو اسحق السبيعي (١) فيما رواه من خطبة معاوية قوله : « الا وان كل شيء أعطيت الحسن بن علي تحت قدميّ هاتين لا أفي به!! ».
قال أبو اسحق : « وكان واللّه غداراً (٢) ».
ثم تطلع الناس ، فاذا هم بابن رسول اللّه الذي كان أشبههم به خلقاً وخلقاً وهيبة وسؤدداً ، يخطو من ناحية محراب أبيه في المسجد العظيم ليصعد على منبره. وفي غوغاء الناس ولع بالفضول لا يصبر عن استقراء الدقائق من شؤون الكبراء ، فذكروا لجلجة معاوية في خطبته ، ورباطة الجأش الموفورة في الحسن وقد استوى على أعواده ، وأخذ يستعرض الجموع الزاخرة التي كانت تضغط المسجد الرحب على سعته ، وكلها ـ اذ ذاك ـ أسماع مرهفة لا همَّ لها الا أن تعي ما يردّ به على معاوية ، فيما خرج به عن موضوع الصلح ، فنقض العهود وأهدر الدماء وتطاول على الاولياء. وكان الحسن بن علي (ع) أسرع الناس بديهة بالقول ، وأبرع الخطباء المفوَّهين على تلوين الموضوعات ، فخطب في هذا الموقف الدقيق ، خطبته البليغة الطويلة التي جاءت من أروع الوثائق عن الوضع القائم بين الناس وبين أهل البيت عليهمالسلام بعد وفاة رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ووعظ ونصح ودعا المسلمين ـ في أولها ـ الى المحبة والرضا والاجتماع ، وذكّرهم ـ في أواسطها ـ مواقف أهله بل مواقف الانبياء ، ثم ردّ على معاوية ـ في آخرها ـ دون أن يناله بسب أو شتم ، ولكنه كان بأسلوبه البليغ ، أوجع شاتم وسابّ.
قال : « الحمد للّه كلما حمده حامد ، وأشهد ان لا اله الا اللّه كلما شهد له شاهد. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ، وائتمنه على
____________
١ ـ هو عمرو بن عبد اللّه الهمداني التابعي ، الذي يقال عنه أنه صلى اربعين سنة صلاة الغداة بوضوء العتمة ، وكان يختم القرآن في كل ليلة ، ولم يكن في زمانه أعبد منه ولا أوثق في الحديث.
٢ ـ شرح النهج ( ج ٤ ص ١٦ ).