ويتحبب الى المساكين. لا يخاف القوي ظلمه ، ولا ييأس الضعيف من عدله. فأقسم لقد رأيته ليلة وقد مثل في محرابه ، وأرخى الليل سرباله ، وغارت نجومه ، ودموعه تتحادر على لحيته ، وهو يتململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، فكأني الآن أسمعه وهو يقول :
« يا دنيا! اليّ تعرضت أم الي أقبلت؟ ، غري غيري ، لاحان حينك ، قد طلقتك ثلاثاً ، لا رجعة لي فيك ، فعيشك حقير ، وخطرك يسير. آهٍ من قلة الزاد وبعد السفر وقلة الانيس ».
فوكفت عينا معاوية ، وجعل ينشفهما بكمه. ثم قال : « يرحم اللّه أبا الحسن ، كان كذلك. فكيف صبرك عنه؟ » قال : « كصبر من ذبح ولدها في حجرها ، فهي لا ترقأ دمعتها ، ولا تسكن عبرتها ». قال : « فكيف ذكرك له؟ » قال : « وهل يتركني الدهر أن انساه؟ (١) ».
اقول : وتوفي عدي بن حاتم في عهد المختار بن أبي عبيد سنة (٦٨) (٢) وهو ابن مائة وعشرين سنة فماتت معه نفس كريمة لا تخلق الا في ملك ، ورأي حصيف لا يختمر الا في حكيم ، وايمان صادق لا يعهد الا في وليّ.
٣ ـ صعصعة بن صوحان
سيد من سادات العرب ، وعظيم من اقطاب الفضل والحسب. أسلم على عهد رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولكنه لم يلقه لصغره ، وأشكلت على عمر أيام خلافته قضية فخطب الناس وسألهم عما يقولون ـ فقام صعصعة ، وهو غلام شاب ، فأماط الحجاب ، وأوضح منهاج الصواب ـ ، وعملوا برأيه ـ ، وكان من أصحاب الخطط في الكوفة ، وشهد مع أمير المؤمنين « الجمل » و « صفين ». قال في الاصابة (٣) « ان المغيرة نفى صعصعة بأمر معاوية من الكوفة الى الجزيرة او الى البحرين ، وقيل الى جزيرة ابن كافان فمات بها ».
__________________
١ ـ البيهقي في المحاسن والمساوئ ( ج ١ ص ٣٣ ).
٢ ـ تاريخ الكوفة ( ص ٣٨٨ ) والاصابة ( ج ٤ ص ١١٩ ).
٣ ـ ( ج ٣ ص ٢٣ ).