والمتوسع في تاريخ البيتين وسيرة أبطالهما من رجال ونساء يدرك ذلك بجميع حواسه.
لكن لما ظهر الاسلام ، وفتح اللّه لعبده ورسوله فتحه المبين ، ونصره ذلك النصر العزيز ، انقطعت نوازي الشر « الاموي » ، وبطلت نزعات أبي سفيان ومن اليه مقهورة مبهورة ، متوارية بباطلها من وجه الحق الذي جاء به محمد عن ربه عز وجل ، بفرقانه الحكيم ، وصراطه المستقيم ، وسيوفه الصارمة لكل من قاومه.
وحينئذ لم يجد أبو سفيان وبنوه ومن اليهم بداً من الاستسلام ، حقناً لدمائهم المهدورة يومئذ لو لم يستسلموا ، فدخلوا فيما دخل فيه الناس ، وقلوبهم تنغل بالعدواة له ، وصدورهم تجيش بالغل عليه ، يتربصون الدوائر بمحمد ومن اليه ، ويبغون الغوائل لهم. لكن رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان ـ مع علمه بحالهم ـ يتألفهم بجزيل الاموال ، وجميل الاقوال والافعال ، ويتلقاهم بصدر رحب ، ومحيا منبسط ، شأنه مع سائر المنافقين من أهل الحقد عليه ، يبتغي استصلاحهم بذلك.
وهذا ما اضطرهم الى اخفاء العداوة له ، يطوون عليها كشحهم خوفاً وطمعاً ، فكاد الناس بعد ذلك ينسون « الاموية » حتى في موطنها الضيق ـ مكة ـ.
اما في ميادين الفتح بعد رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلم تعرف « الاموية » بشيء ، سوى أنها من أسرة النبي ومن صحابته.
ثم أتيح بعد النبي لقوم ليسوا من عترته ، أن يتبوأوا مقعده ، وأتيح لمعاوية في ظلهم أن يكون من أكبر ولاة المسلمين ، أميراً من أوسع أمرائهم صلاحية في القول والعمل.
ومعاوية اذ ذاك يتخذ بدهائه من الاسلام سبيلاً يزحف منه الى الملك العضوض ، ليتخذ به دين اللّه دغلاً ، وعباد اللّه خولاً ، ومال الله دولاً ، كما انذر به رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فكان ذلك من اعلام نبوته.