يشتركان فيه من التحقيق ، والدقة والاعتدال ، وسطوع البيان والبرهان ، والتأنق والتتبع ، والورع في النقل ، والرحابة في المناظرة ، والاحاطة بما يناسب الموضوع ، مع سهولة الاسلوب ، وانسجام التراكيب ، وبلاغة الايجاز اذا أوجز ، وقبول الاطناب اذا أطنب.
فالكتاب يخضع لفكر منظم مبدع حجة ، يصل وحدته بجداول دفاقة بالثراء العقلي والنقلي ، وبروادف غنية كل الغنى ، في كل ما يرجع الى الموضوع ، ويتم عليه عناصره القيمة.
فالاناقة فيه تخامر الاستيعاب ، والوضوح يلازم العمق ، والنقد التحليلي مرتكز هذه الخصائص.
أما المؤلف ـ اعلى اللّه مقامه ـ فانك تستطيع أن تستشف ملامحه ، من حيث تنظر الى مواهبه في كتابه هذا ، ولو لم أره لقدرت أن ارسم له صورة أستوحي قسماتها من هذا السفر ، اذ يريكه واضح الغرة ، مشرق الوجه ، حلو الحديث ، هادئ الطبع ، واسع الصدر ، لين العريكة ، وافر الذهن ، غزير الفهم والعلم ، واسع الرواية ، حسن الترسل ، حلو النكتة ، لطيف الكناية ، بديع الاستعارة ، تنطق الحكمة من محاسن خلاله ، ويتمثل الفضل بكل معانيه في منطقه وأفعاله ، لا ترى أكرم منه خلقاً ، ولا أنبل فطرة ، عليماً زاخراً بعلوم آل محمد ، علامة بحاثة ، أمعن في التنقيب عن أسرارهم ، يستجلي غوامضها ، ويستبطن دخائلها ، لا تفوته منها واردة ولا شاردة ، الى خصائص في ذاته وسماته يمثلها كتابه هذا بجلاء.
ومن أمعن فيما اشتمل عليه هذا الكتاب ، من أحوال الحسن ومعاوية ، علم انهما لم ترتجلهما المعركة ارتجالاً ، وانما كانا في جبهتيهما خليفتين ، استخلفهما الميراث على خلقين متناقضين : فخلق الحسن انما هو خلق الكتاب والسنة ، وان شئت فقل خلق محمد وعلي. وأما خلق معاوية فانما هو خلق « الاموية » ، وان شئت فقل : خلق أبي سفيان وهند ، على نقيض ذلك الخلق.