ودارت الكوفة دورتها ، وهي تستمع الى تهديد معاوية وتتلقف الاخبار عن زحفه الى العراق. وارتجزت للحرب على لسان شيعتها البهاليل.
وهكذا جدَّ الجدّ ولا مندوحة لولي الامر على الاستجابة للظرف المفاجئ والنزول على حكم الامر الواقع.
وكان حرب البغاة واجبه الذي يستمده من عقيدته ويستمليه من أعماق مبدئه ، ولا استقرار للخلافة دون القضاء على هذا الانقسام الذي يفرضه معاوية على صفوف المسلمين ، بثوراته المسلحة في وجه الخلافة الاسلامية قرابة ثلاث سنوات متتاليات ، أحوج ما يكون المسلمون فيها الى الاستقرار والاستعداد.
وكانت حروب الشام منذ تجنّد لها معاوية ، أشأم الحروب على الاسلام ، واكثرها دماً مهراقاً ، وحقاً مضاعاً ، واجتراء على الحقايق ، وانتصاراً للنزق الطائش ، والاهواء الدنيوية الرخيصة.
وان الاسلام بمبادئه الانسانية السامية لم يشرع الحرب الا في سبيل اللّه وابتغاءاً الخير الناس وذياداً عن حياضه ، اما نهب الثغور واخافة الآمنين ، ومحاربة الشعوب المؤمنة باللّه وبرسوله ( لانه يريد أن يتأمّر عليهم ) فذلك ما لا تعرفه المبادئ الاسلامية ، ولا تعترف بمثله الا الجاهلية الهوجاء. وذلك هو مصدر الصدمات التي مزّقت الكلمة وفرّقت الدين ، وفرضت العداوات بين فئات المسلمين.
واستجاب لمعاوية في هذه الحروب « سفهاء طغام » على حد تعبير شبث بن ربعي التميمي حين واجهه في أحدث سنة ٣٦ ، فاستغل تفسخ أخلاقهم ، وأتّجر بفساد أذواقهم ، وقذف بهم في لهوات الموت ، وكلهم راضٍ مطيع.
وكانت الشنشنة الموروثة في هاشم ، أنهم لا يبدأون أحداً قط بقتال. وتجد فيما عهد به الحسن الى قائده « عبيد اللّه بن عباس » تأييداً صريحاً