لهذا الخلق الهاشمي الافضل. وكان للحسن على الخصوص ، مواريث شخصية كثيرة من وصايا ودساتير ، آثره بها سيد العرب أبوه امير المؤمنين عليهالسلام. وكان ابوه كما يحدثنا التاريخ شديد العناية بابنه الحسن « وكان يكرمه اكراماً زائداً ويعظمه ويبجله (١) ». وكانت هذه الوصايا ، المثل التي لا يقربها الباطل ولا تزيغ عن الصواب على اختلاف موضوعاتها في الدين والدنيا وفي التربية والاخلاق. وكان فيما أوصى به علي الحسن قوله : « لا تدعونَّ الى مبارزة ، فان دُعيت اليها فأجب ، فان الداعي اليها باغ. والباغي مصروع ».
لذلك كنّا نرى الحسن في ابان بيعته ، وفي قوة اندفاع أصحابه للهتاف بالحرب ، لا يجيب اليها صريحاً ، ولا يعمل لها جادّاً ، لانه كان ينظر الى الحرب نظرته الى ضرورة بغيضة ، يلجأ اليها حين لا حيلة له في اجتنابها ، وكان ينتظر تنظيم حرب يضمن لها القوة ، أو قوة تضمن له الحرب ، وقد حالت الظروف المتأزمة ـ يومئذ ـ والذاهبة صعداً في ازماتها بينه وبين ما يريد.
وقد أتينا في الفصل السابق على استكشاف الاوكار التي كان ينتمي اليها المتحزّبون المتحمسون في الكوفة ، من أموية ، ومحكّمة ، وشكاكين ، وحمراء. وأشرنا هناك الى ما كانت تعج به هذه المجتمعات من روح الهدم والتخريب ، والوقوف في وجه السياسة القائمة بشتى الاساليب.
وكان كل ذلك ـ وبعضه كاف ـ سبب التمهل في الحرب ، الامر الذي عورض به الحسن عليهالسلام من قبل فئات من أصحابه المناصحين له. وكان للنشاط المؤقت المحدود ، الذي غمر الكوفة في أيام البيعة ، أثره في اغراء هذه الفئات من الاصحاب ، ليظنوا كل شيء ميسراً لخليفتهم الجديد. ولكنها كانت النظرة القصيرة التي لا تمتد الى ما وراء الستار. ولا تزن في حسابها ما تهدفه هاتيك « الاوكار ».
__________________
١ ـ ابن كثير ( ج ٨ ص ٣٦ ـ ٣٧ ).