والأنبار. فاستنفر عليّ الناس ، فابطئوا وتثاقلوا فخطبهم فقال : أيها الناس المجتمعة أبدانهم ، المتفرقة أهواؤهم ، ما عزّت دعوة من دعاكم ، ولا استراح قلب من قاساكم. كلامكم يوهي الصمّ الصّلاب ، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم ، فإذا دعوتكم إلى المسير أبطأتم وتثاقلتم ، وقلتم : كيت وكيت ، أعاليل أباطيل. سألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول ، حيدي (١) حياد لا يمنع الضيم الذليل. ولا يدرك الحق إلّا بالجد والصدق. فأيّ دار بعد داركم تمنعون ومع أي إمام بعدي تقاتلون؟ المغرور والله من غررتموه (٢) ، ومن قاربكم (٣) فاز بالسهم الأخيب. أصبحتم والله لا أصدّق قولكم ، ولا أطمع في نصركم. فرق الله بيني وبينكم. وأعقبني بكم من هو خير لي منكم. وأعقبكم مني من هو شرّ لكم مني. أما إنكم ستلقون بعدي ثلاثا : ذلا شاملا ، وسيفا قاطعا ، وأثرة قبيحة. يتخذها فيكم الظالمون سنّة. فتبكي لذلك أعينكم ، ويدخل الفقر بيوتكم ، وستذكرون عند تلك المواطن ، فتودّون أنكم رأيتموني ، وهرقتم دماءكم دوني ، ولا يبعد الله إلّا من ظلم ، والله لوددت أني أقدر أن أصرّفكم صرف الدينار بالدراهم ، عشرة منكم برجل من أهل الشام. فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين إنّا وإيّاك كما قال الأعشى :
علّقتها عرضا وعلّقت رجلا |
|
غيري وعلّق أخرى غيرها الرجل |
علقتا بحبك وعلقت أنت بأهل الشام وعلق أهل الشام معاوية.
أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الصقر ، أنا أبو القاسم هبة الله بن إبراهيم بن محمد الصّوّاف ، نا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل المهندس ، نا أبو بشر محمد بن أحمد بن حمّاد الدّولابي ، حدثني يحيى بن عثمان بن صالح ، حدثني إبراهيم بن أبي الحسين أبو إسحاق ـ كاتب هارون بن عبد الله الزهري ـ حدثني سعيد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن دغفل قال : قال المال : أنا أسكن العراق ، فقال القدر (٤) : أنا أسكن معك ، وقالت الطاعة :
__________________
(١) عن اللسان «حيد» ، وبالأصل : «جيدي جياد».
(٢) عن مختصر ابن منظور ١ / ١٢٢ وبالأصل «عززتموه».
(٣) في مختصر ابن منظور : فاز بكم.
(٤) كذا بالأصل وخع ، وفي مختصر ابن منظور ١ / ١٢٣ والمطبوعة : «الغدر».