الجنود منه ، فجمع الروم وقال : أرى من الرأي أن لا تقاتلوا هؤلاء القوم ، وأن تصالحوهم ، فو الله لأن تعطوهم [نصف](١) ما أخرجت الشام ، وتأخذون نصفا وتبقى لكم جبال الروم ، خير لكم من أن يغلبوهم على الشام ، ويشارككم في جبال الروم فنخر أخوه ونخر ختنه ؛ وتصدع عنه من كان حوله ؛ فلما رآهم يعصونه ويردون عليه بعث أخاه ، وأمّر الأمراء ووجّه إلى كل جند جندا. فلما اجتمع المسلمون ، أمرهم بمنزل [واحد](٢) جامع واسع حصين فنزلوا بالواقوصة (٣) ، وخرج فنزل حمص. فلما بلغه أن خالدا قد اطلع على سوى فانتسف أهله وأموالهم ، وعمد إلى بصرى فافتتحها ، وأباح عذراء قال لجلسائه : ألم أقل لكم لا تقاتلوهم ، فإنه لا قوام لكم مع هؤلاء القوم إن دينهم دين جديد يجدد لهم ثبارهم (٤) ولا يقوم لهم أحد حتى يبلى ، فقالوا له : قاتل عن دينك ولا تخش الناس ، واقض الذي عليك. قال : وأي شيء أطلب بهذا إلّا توقير دينكم.
ولما نزلت جنود المسلمين اليرموك بعث إليه المسلمون : إنّا نريد كلام أميركم ، وملاقاته ، أفتدعونا نأته نكلمه؟ فأبلغوه ، فأذن لهم فأتاه أبو عبيدة كالرسول ويزيد بن أبي سفيان كالرسول ، والحارث بن هشام ، وضرار بن الأزور ، وأبو جندل بن سهيل ، ومع أخي الملك يومئذ في عسكره ثلاثون رواقا وثلاثون سرادقا كلها من ديباج. فلما انتهوا إليها أبوا أن يدخلوا فيها. وقالوا : لا نستحل الحرير فأنزلنا ، فنزل (٥) إلى فرش له ممهدة وبلغ ذلك هرقل فقال : ألم أقل لكم هذا أوّل الذلّ ، أما الشام فلا شام ، وويل للروم من المولود المشئوم ولم يتأتّ بينهم وبين المسلمين صلح. فرجع أبو عبيدة وأصحابه وأبعدوا (٦). فكان القتال حتى جاء الفتح.
أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو علي محمد بن محمد بن المسلمة ، أنا أبو الحسن الحمّامي ، أنا أبو علي الصّوّاف ، نا الحسن بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى العطار ، أنا أبو حذيفة إسحاق بن بشر ، قال : قال ابن إسحاق ؛ أنبأ محمد بن
__________________
(١) زيادة عن الطبري.
(٢) زيادة عن الطبري.
(٣) واد بالشام في أرض حوران نزله المسلمون أيام أبي بكر على اليرموك لغزو الروم. (ياقوت).
(٤) بالأصل «دين حديد يحدد لهم سارهم» والمثبت عن الطبري ،.
(٥) في الطبري : «فابرز لنا ، فبرز.» وفي خع : فابرز لنا ، فنزل.
(٦) في مختصر ابن منظور ١ / ١٩٨ واتعدوا.