ومجتمعاً ، نحو القمّة الشاهقة في الأخلاق والآداب .
فقد كانوا حقّاً وحقيقةً معلِّمي الأخلاق بالقول والفعل ، والإرشاد والعمل ، كما اعترف لهم بذلك الصديق والعدوّ .
وقد أقرّ ابن أبي الحديد المعتزلي ببلوغهم غاية الفضل ومنتهى الفضيلة في السجايا الكريمة ، والأخلاق العظيمة .
فقال فيما قدّمه في فضل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام : ـ
( وما أقول في رجلٍ تُعزى إليه كلّ فضيلة ، وتنتهي إليه كلّ فرقة ، وتتجاذبه كلّ طائفة .
فهو رئيس الفضائل وينبوعها ، وأبو عُذرها ، وسابق مضمارها ، ومجلّى حلبتها ، كلّ من بزغ فيها بعده فمنه أخذ ، وله اقتفى ، وعلى مثاله احتذى ...
وأمّا الشجاعة فإنّه أنسى الناس فيها ذكرَ من كان قبله ، ومحا اسم من يأتي بعده .
ومقاماته في الحرب مشهورة يُضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة .
وهو الشجاع الذي ما فرَّ قطّ ، ولا ارتاع من كتيبة ، ولا بارز أحداً إلّا قتله ، ولا ضرب ضربةً قطّ فاحتاجت الاُولى إلى ثانية ...
وكانت العرب تفتخر بوقوفها في الحرب في مقابلته ...
وجملة الأمر أنّ كلّ شجاع في الدُّنيا إليه ينتهي ، وباسمه ينادى في مشارق الأرض ومغاربها ...
وأمّا السخاء والجود فحاله فيه ظاهرة ، وكان يصوم ويطوي ويؤثِر بزاده .
وفيه أنزل : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّـهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا )(١) .
__________________________________
(١) سورة الإنسان : ٨ و ٩ .