وقال الشعبي وقد ذكره عليهالسلام : ـ كان أسخى الناس ، كان على الخلق الذي يحبّه الله : السخاء والجود ، ما قال لسائلٍ قطّ .
وقال عدوّه ومبغضه الذي يجتهد في وصمه وعيبه معاوية بن أبي سفيان لمحفن بن أبي محفن الضبيّ لمّا قال له : جئتك من عند أبخل الناس ، فقال :
ويحك ! كيف تقول إنّه أبخل الناس ، لو ملك بيتاً من تبر وبيتاً من تبن ، لأنفد تبره قبل تبنه ...
وهو الذي لم يخلّف ميراثاً وكانت الدُّنيا كلّها بيده ، إلّا ما كان من الشام .
وأمّا الحلم والصفح فكان أحلم الناس عن ذنب ، وأصفحهم عن مسيء .
وقد ظهر صحّة ما قلناه يوم الجمل ، حيث ظفر بمروان بن الحكم ـ وكان أعدى الناس له وأشدّهم بغضاً ـ فصفح عنه .
وكان عبد الله بن الزبير يشتمه على رؤوس الأشهاد ... فظفر به يوم الجمل ، فأخذه أسيراً ، فصفح عنه وقال : إذهب فلا أرينّك ، لم يزده على ذلك .
وظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمكّة ـ وكان له عدوّاً ـ فأعرض عنه ، ولم يقُل له شيئاً .
وقد علمتم ما كان من عائشة في أمره ، فلمّا ظفر بها أكرمها ، وبعث معها إلى المدينة عشرين امرأة من نساء عبد القيس ، عمّمهنّ بالعمائم وقلّدهنّ بالسيوف .
وحاربه أهل البصرة ، وضربوا وجهه ووجوه أولاده بالسيوف ، وشتموه ولعنوه ، فلمّا ظفر بهم رفع السيف عنهم ، ونادىٰ مناديه في أقطار العسكر : ألا لا يُتبَع مولٍّ ، ولا يُجهز على جريح ، ولا يُقتل مستأسر ، ومن ألقى سلاح فهو آمن ، ومن تحيّز إلى عسكر الإمام فهو آمن ، ولم يأخذ أثقالهم ، ولا سبىٰ ذراريهم ، ولا غَنِم شيئاً من أموالهم .
ولو شاء أن يفعل كلّ ذلك لَفعَل ، ولكنّه
أبى إلّا الصفح والعفو ، وتقبّل سنّة