إلّا أنّي رأيت أحد المشيّعين كثير البكاء جدّاً ، مع أنّه لم يظهر عليه أنّه من أقرباء الميّت ، ولم يُعزّه أحد ، لكنّه أكثر الناس بكاءً في التشييع ، وحين الدفن ، بحيث كان يبكي بكاءً مرّاً كبكاء الثكلى على عزيزها .
ولكي أتوصّل أنا إلى حكمةٍ في المقام من بكاء هذا أزيد من الآخرين ، حتّى من أبناء المرحوم جئت إلى جنبه بهدوء ، وسألته لماذا تبكي هكذا على المرحوم ؟
قال : إنّ لي مع المرحوم قضيّةً تدعوني إلى أن لا أنساه طول عمري ، ويُلزمني أن أبكي لفقده طول حياتي .
فقلت : ـ وهل يمكنك إخباري بذلك ؟
قال : نعم ، إنّي كنت رجلاً فقيراً كثير العائلة ، وضعيف الكسب ، لا يفي كسبي بعيشي ، وكنت أعجز حتّى عن استئجار دارٍ للسكن ، وعن إطعام أهلي أحياناً ، وضاقت بي الحياة جدّاً من الجانب المالي .
وذات يوم في وقت الظهر ولم يكن لي شيء أشتري به غذاءً لأهلي ، فجئت إلى المسجد لاُصلّي جماعة صلاتَي الظهر والعصر ، ووصلتُ متأخّراً عن أوّل وقت الصلاة ، فوقفتُ في آخر صفٍّ من صفوف الجماعة وحدي ، ليس أحدٌ على يساري ولا علىٰ يميني .
ثمّ جاء شخص آخر شابٌّ محترم ( وهو هذا المرحوم ) فوقف بجنبي ، وعلى الفور أخرج مفاتيحه ، وخاتماً كان معه من جيبه ، وجعله أمامه من طرفي ، واقتدى في صلاته بإمام الجماعة ، وقال : الله أكبر .
وفي أثناء الصلاة وقع نظري أنا إلى ذلك الخاتم الذي كان أمامه ، فرأيته خاتماً جميلاً جدّاً ، وله بريق عجيب يجذب النظر ، ويظهر منه أنّه خاتمٌ ثمين .
فجلب نظري ذلك الخاتم ، ووسوس لي الشيطان في أن أسرقه وأبيعه ، وأتعايش به ، وأتخلّص مدّةً من ضيق المعاش ..