وكذا تواضع والده الإمام السجّاد عليهماالسلام صاحب هذا الدّعاء والداعي بهذه الفقرة ، تلاحظ خفض جناحه مع رفقة سفره في حديث الإمام الصادق عليهالسلام قال : ـ
( كان عليّ بن الحسين عليهماالسلام لا يسافر إلّا مع رفقةٍ لا يعرفونه ، ويشترط عليهم أن يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجون إليه .
فسافر مرّةً مع قومٍ فرآه رجلٌ فعرفه فقال لهم : أتدرون مَن هذا ؟
فقالوا : ـ لا .
قال : ـ هذا عليّ بن الحسين عليهماالسلام .
فوثبوا إليه فقبّلوا يده ورجله ، وقالوا : يابن رسول الله أردت أن تصلينا نار جهنّم ، لو بدَرَت منّا إليك يدٌ أو لسان ، أما كنّا قد هلكنا إلى آخر الدّهر ؟ فما الذي يحملك على هذا ؟
فقال : إنّي كنت سافرت مرّةً مع قوم يعرفونني ، فأعطوني برسول الله صلىاللهعليهوآله ما لا أستحقّ ، فإنّي أخاف أن تعطوني مثل ذلك ، فصار كتمان أمري أحبُّ إليّ )(١) .
وهذه تربية عمليّة لنا على التواضع وعدم التعالي ، ويلزم أن نتعلّمها نحن في حياتنا ، ونداوم السير عليها حتّى لو صرنا عظماء .
يحكي بعض الأجلّاء عن المرحوم السيّد الحكيم قدسسره أنّه في أيّام مرجعيّته انتقده أحد الأساتذة بالنسبة إلى كتابه ( مستمسك العروة الوثقى ) الذي تعب كثيراً جدّاً في تأليفه وتحقيقه وتحصيل مصادره حتّى أكمله ثلاثة عشر مجلّداً في الفقه .
قال له ذلك المنتقد : ـ الشيخ الأنصاري رفع المستوى العلمي للنجف الأشرف إلى هذا اليوم ، وأنت في هذا اليوم نزّلته بكتابك هذا .
وهذا كلامٌ لاذع بالنسبة إلى كتابٍ كالمتمسك وإلى مرجعٍ مثل السيّد الحكيم .
__________________________________
(١) بحار الأنوار / ج ٤٦ / ص ٦٩ .