والمحدّث القمّي بالرغم من كونه آيةً في العلم والتقوى والحديث والمعارف ، لم يكن يتظاهر بالعظمة ، ولم يتفوّق على اُولئك المسافرين ، بل كان يعاشرهم كأحدهم .
فكان اُولئك في طيلة الطريق يطلبون من الشيخ أن يشتري لهم الخبز والفاكهة وغير ذلك ، ظنّاً منهم أنّ الشيخ كسائر الناس العاديّين .
والشيخ أعلى الله مقامه كان يشتري لهم ما يريدون ، وهم مستريحون في مكانهم ، لا يتكلّفون بشيء ، ولا يُتعبون أنفسهم بعمل .
وتمّ المسير وانتهى سير السفر على هذا المنوال ، وهذه الطريقة ..
وفي خراسان بعد أن وصل اُولئك وزاروا الإمام الرضا عليهالسلام ، ذهبوا لزيارة المرجع الديني السيّد حسين القمّي قدسسره الذي كان آنذاك مقيماً في مشهد الرضا عليهالسلام ، فسلّموا على السيّد ، وجلسوا في طرف المجلس ، والمجلس غاصّ بأهله .
وبينما هم كذلك إذ رأوا أنّ السيّد القمّي قام من مكانه ، وقام معه جميع أهل المجلس لاستقبال شخص ورد إلى المجلس ، فاستقبلوه بكلّ حفاوة وتكريم واحترام .
ونظر هؤلاء إلى ذلك الشخص الوارد ، فإذا هو نفس صاحبهم في السفر الذي كانوا يكلّفونه الشراء والخدمة ، فيخدمهم بكلّ رغبة ، ويعاشرهم بأحسن سيرة .
فاعتذروا منه كثيراً على ما سلف منهم ، لكنّه قال لهم إنّه لا داعي للاعتذار ؛ لأنّه كان ما سلف من الخدمة لهم هو ما ينبغي له وحثّ الشارع المقدّس عليه ، في آداب السفر ، واُمور الطريق .
هذا نموذج من حسن السيرة الذي يلزم أن يكون عليه جميع الناس .. خصوصاً أصحاب العلم ، وأصحاب الوجاهة ، وأصحاب المقامات ..
وقد كان علماؤنا الأبرار على أحسن سيرة ، وأحسن طريقة ، مع المؤمنين والمعاشرين .
من ذلك ما حكي عن المرحوم كاشف الغطاء
الكبير تلميذ السيّد بحر العلوم ،