الله تعالى ذلك الحمار فقال لبلعم : ويلك على ماذا تضربني ؟ أتريد أن أجيء معك لتدعو على نبيّ الله وقومٌ مؤمنين !
لكنّه لم يزَل يضربه حتّى قتله ظلماً وكيداً على النبيّ موسىٰ عليهالسلام .
فانسلخ الاسم الأعظم منه ، واندلع لسانه كما قال تعالى : ـ ( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث )(١) .
فلمّا رأىٰ بلعم ذلك ونظر إلى حاله احتال على بني إسرائيل ، وأمر قومَ فرعون أن يزيّنوا نسائهم ، ويعطونهنّ السِلَع للبيع ، ويرسلونهنّ إلى بني إسرائيل ليغترّوا بهنّ ، ويميلوا إليهنّ .
وأمر أن لا تمنع امرأة نفسها ممّن يريدها ، بل تمكّن نفسها منه ، ليقعوا في الزنا ، يكون مصيرهم الخذلان .
ففعلوا ذلك ، فنزل عليهم الطاعون ، وهلك منهم طائفةٌ كثيرة(٢) .
وتلاحظ أنّه كانت عاقبة بلعم بعد ذلك المقام الرفيع إلى هوّة الحضيض بواسطة عدم ثباته ، وعدم سكون الريحي فيه ..
حيث إنّه بعد كونه عبداً مقرّباً إلى الله تعالى ، صار تابعاً رذيلاً لعدوّ الله فرعون ، ومعارضاً لنبيّ الله موسى عليهالسلام .. وهذا تلوّن .
وانقلب بلعم بعد أن كان عبداً صالحاً عفيفاً إلى كونه داعيةً للزنا وإفشاءه في الناس ، وإلقاء قوم موسى في هذا الأمر القبيح ، وهذا تزلزلٌ وتلوّن من بلعم .
( ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) .
ومن أمثلة التلوّن والتزلزل وعدم سكون الريح شبث بن ربعي الذي كان من أصحاب أمير المؤمنين عليهالسلام في صفّين ، ثمّ انحرف عنه وصار مع النهروانيّين ،
__________________________________
(١) سورة الأعراف : الآية ١٧٦ .
(٢) لاحظ بحار الأنوار / ج ١٣ / ص ٣٧٣ .